قلت: وجه الفرق إلقاء العرف لخصوصية الأربعة في طرف الإياب دون الذهاب. والسر في ذلك ما أشرنا إليه آنفا من أنه بعد ما عملنا بمقتضى أخبار التلفيق وحكمنا باعتبار كون السير بمقدار الثمانية قطعا، كما هو المستفاد من أخبار الثمانية أيضا، لم يبق لأخبار الطائفة الثانية أعني الأربعة محمل صحيح إلا أن يقال بأنها وردت لبيان أدنى البعد والامتداد المعتبر بين المبدأ والمقصد، وقد دلت على أن الأربعة أدناه، فيجب الأخذ بمقتضاها، وما هو الملاك عرفا لاعتبار البعد هو الذهاب دون الإياب، فإن كان الذهاب بمقدار الأربعة صدق عرفا أن المسافة بريد وإن كان الإياب أقل منه، ولاعكس، إذ لو كان الذهاب أقل من أربعة لم يصدق عرفا أنه سافر بريدا. وأما ذكر البريد في طرف الإياب فإنما هو من جهة أنه الفرد الغالب للإياب إذا كان الذهاب بريدا، إذ الغالب وحدة الطريق أو تقارب الطريقين بحسب المقدار، ولا يرى العرف لخصوصيته دخلا في الحكم.
ولنوضح ذلك بذكر مثال، وهو أنه إذا ذهب ستة فراسخ ورجع ستة فالفروض المتصورة أربعة:
1 - أن يقال: إن موجب القصر في المثال هو ستة الذهاب واثنان من الإياب.
2 - أن يقال: إن المسافة الموجبة للقصر بالنسبة إلى هذا الشخص هي المجموع من ستة الذهاب وستة الإياب.
3 - أن يقال: إن المسافة بالنسبة إليه ستة الذهاب مع الأربعة من الإياب.
4 - أن يقال: إن المسافة بالنسبة إليه أربعة من الذهاب وأربعة من الإياب.
والثلاثة الأخيرة كلها باطلة، فتعين الأول. ومقتضاه عدم اعتبار كون الإياب أربعة. ووجه بطلان الفروض الثلاثة أن مقتضى الأولين منها كون المسافة الموجبة للقصر أزيد من ثمانية، وهو باطل بضرورة من مذهبنا. ومقتضى الأخير كون الأربعة بشرط لا موجبة للقصر بحيث يكون الزائد عليها كالحجر المنضم إلى الإنسان، مع