فتلخص مما ذكرناه أن في جواب الإمام (عليه السلام) احتمالين:
الأول: أن يكون مراده (عليه السلام) أن ما ذكرت من البريد لا ينافي ما في ارتكازك من البريدين، لرجوع كليهما إلى مقدار مسيرة اليوم، وهي تمام الملاك في ثبوت القصر، غاية الأمر رجوع البريد إليها بسبب ضم الرجوع.
الثاني: أن يكون مراده (عليه السلام) بيان ملاك آخر للقصر وراء البريدين، وهو البريد التلفيقي إذا كان شاغلا ليوم المسافر.
ويساعد الأول كونه بصدد رفع استعجاب السائل، وإنما يتحقق رفعه غالبا بالإرجاع إلى ما علم سابقا.
ويساعد الثاني ظهور قوله: " شغل يومه " في الشغل الفعلي. هذا.
ولكن لا يقاوم هذا الظهور لظهور أخبار عرفات في عدم اعتبار الرجوع ليومه.
فالاستدلال بالحديث لاعتباره في غاية الإشكال، فتدبر.
ثم لا يخفى أن حمل قوله: " شغل يومه " على الشغل الفعلي يقتضي تقييد الرجوع في قوله: " رجع " بما كان ليومه، وهو خلاف الظاهر. اللهم إلا أن يقال إن الغالب فيما إذا كان الذهاب أربعة تحقق الرجوع في يومه، فيصير هذه الغلبة قرينة على تقييد الرجوع، أو يقال إن ظهور الجزاء في الشغل الفعلي قرينة على تقييده، فافهم.
الوجه الثاني أنه وإن سلم حمل قوله: " شغل يومه " على الشغل الفعلي وتقييد الرجوع في قوله: " رجع " أيضا بما كان ليومه لكن الحديث مع ذلك لا يدل على اعتبار تحقق الرجوع فعلا فضلا عن كونه ليومه، إذا أقصى ما يدل عليه هو وجوب التقصير في البريد لكونه مسافة إذا رجع فيها المسافر ليومه شغل يومه، وهذا لا يدل على تحقق الرجوع في اليوم ولاعلى حصول الشغل بالفعل. وبعبارة أخرى: ليس التعليل في كلامه (عليه السلام) بخصوص الجزاء، بل بالقضية الشرطية، وصدقها لا يتوقف على تحقق الشرط والجزاء فعلا كما لا يخفى، فتأمل.