وأخبار الأربعة أيضا كانت ظاهرة في أمرين: الأول: اعتبار كون السير بمقدار الأربعة. الثاني: اعتبار كون البعد والامتداد أيضا بمقدار الأربعة.
فلكل من الطائفتين ظهوران، وأخبار التلفيق إنما تزاحم أخبار الثمانية بالنسبة إلى ظهورها الثاني لا الأول، إذ هي أيضا تدل على اعتبار كون مقدار السير ثمانية. تزاحم أخبار الأربعة بالنسبة إلى ظهورها الأول لا الثاني. فظهور أخبار الأربعة في اعتبار كون البعد والامتداد الواقع بين المبدأ والمقصد أربعة فراسخ مما لا يزاحمه شيء بل يؤكده أخبار التلفيق أيضا، فيجب الأخذ به.
وبعبارة أخرى: بعد تحكيم أخبار التلفيق على الطائفتين يلزم بالنسبة إلى أخبار الثمانية رفع اليد عن ظهورها في الامتداد وأما ظهورها في اعتبار كون السير بمقدار الثمانية فمحفوظ بل يؤكده أخبار التلفيق، وبالنسبة إلى أخبار الأربعة رفع اليد عن ظهورها في كون سير الأربعة تمام الموضوع للقصر، وأما ظهورها في اعتبار كون الامتداد بين المبدأ والمقصد بمقدار الأربعة فلا يزاحمه أخبار التلفيق بل تؤكده، إذ يستفاد من كلتيهما أن أقل الامتداد والمسافة المعتبرة بين المبدأ والمقصد هو الأربعة.
وبعبارة ثالثة: أخبار التلفيق شاهدة على أن أخبار الأربعة أعني الطائفة الثانية لم تكن بصدد بيان مقدار السير المعتبر بل كانت بصدد بيان أدنى البعد والامتداد المعتبر بين المبدأ والمقصد، ولو لم تحمل على ذلك أيضا لزم طرحها رأسا، فتدبر.
فإن قلت: فليعتبر ذلك في الرجوع أيضا، فإن أخبار التلفيق تدل على اعتبار كون كل من الذهاب والإياب بمقدار الأربعة. وبعبارة أخرى: إما أن يلقى خصوصية الأربعة في كليهما ويقال: إن المقصود حصول الثمانية بأي نحو اتفقت، غاية الأمر كون الفرد الغالب من التلفيق هو صورة كون كل من الذهاب والإياب أربعة فلذا خصصت بالذكر، وإما أن يقال باعتبار خصوصية الأربعة في كليهما، فما وجه الفرق بينهما؟