[...] ولا يخفى عليك - أيضا - أنه مع العلم بالتعارض وإحراز التكاذب يعلم بكذب أحد الدليلين واقعا، ونتيجة ذلك هو العلم بعدم الملاك لأحد الدليلين، إما بنحو السالبة بانتفاء المحمول، بناءا على مسلك تبعية الأحكام للملاكات، كما ذهب إليه العدلية، أو بنحو السالبة بانتفاء الموضوع، بناءا على مسلك عدم التبعية.
وعليه: فما عن بعض الأعاظم (قدس سره): من: " أن العلم بالملاك وأنه واحد أو متعدد يحتاج إلى علم الغيب المختص بأهله، وليس لنا سبيل إلى إحرازه إلا أن يستكشف وجوده من الأحكام نفسها، ومعه كيف يمكن إحراز أنه واحد أو متعدد؟
مع الكلام في تعدد الحكم ووحدته " (1) غير وجيه.
فتحصل: أن ملاك التعارض هو عدم إمكان الجمع بين الحكمين في موقف الجعل، لما يلزم من محذور طلب الضدين أو النقيضين، أو محذور اجتماع الإرادتين المختلفتين، أو اجتماع الإرادة والكراهة، وهذا - كما ترى - مستحيل عقلا، ولافرق فيه بين القول بتبعية الأحكام للملاكات، وبين القول بعدمها.
غاية الأمر: لو قيل: بالتبعية يستكشف من التعارض فقد أحد الحكمين للملاك قطعا، بخلاف ما إذا لم نقل بها، وكيف كان، لا يدور التعارض مدار فقد أحد الحكمين للملاك والمقتضي، ولا يبتنى على القول بالتبعية وعدمها، بل هو يدور مدار التنافي والتكاذب بين الدليلين، كما عرفت آنفا، هذا كله في التعارض.