[...] فينبغي لنا أن نتكلم حول حقيقة المعارضة والمزاحمة على وجه الإجمال حتى تعرف الحال في المسألة.
فنقول مستعينا بالله العليم: أما التعارض، فميزانه هو تكاذب الدليلين و تنافيهما في موقف الجعل ومصب التشريع والتقنين، ومرحلة اشتغال الذمة، وهذا التكاذب إما هو للتناقض أو التضاد، أو لتنافي الإرادتين المختلفتين، أو تنافي الإرادة و الكراهة لو لم نقل بتضاد الأحكام على ما حرر في الأصول.
ولا يخفى عليك: أن التعارض ربما يكون بمعونة دليل خارجي، كما في مورد جعل الحكمين على موضوعين، نظير ما دل على وجوب القصر لمن سافر أربعة فراسخ ولا يريد الرجوع ليومه، وما دل على وجوب الإتمام عليه، ونظير ما دل على وجوب صلاة الجمعة في يومها، وما دل على وجوب صلاة الظهر في هذا اليوم، فيقع التعارض بين الدليلين فيهما، للقطع بعدم وجوب صلاتين في يوم واحد قصرا وإتماما، وعدم وجوب صلاتين من الظهر والجمعة في يومها.
فيسمى هذا تعارضا عرضيا، لعدم امتناع اجتماع الحكمين المذكورين حقيقة، بسبب تعدد الموضوع فيهما.
وربما يكون بتنافي نفس الحكمين، كما في مورد جعلهما على موضوع واحد، نظير ما دل على وجوب صلاة الجمعة في يومها، وما دل على حرمتها، أو على عدم وجوبها في هذا اليوم، فإنه يقع التعارض هنا بين الدليلين، لتنافي الحكمين المذكورين نفسهما، فيسمى هذا تعارضا حقيقيا، كما هو واضح.