فصل في المكلف والتكليف وما يتعلق بهما قال الله تعالى * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) *.
المعروف المشهور أن المكلف هو: العاقل البالغ سليم الحواس الذي بلغته الدعوة. فلا بد لنا أن نفهم أصل التكليف الذي انبثقت منه هذه الأمور الأربعة، وهو الفهم فنقول:
قال الله تعالى * (ففهمناها سليمان) * الأنبياء: 79، واتفق العقلاء على أن شرط المكلف أن يكون عاقلا فاهما للتكليف، لأن التكليف خطاب، وخطاب من لا عقل له ولا فهم محال، كالجماد والبهيمة، ومن وجد منه أصل الفهم لأصل الخطاب، دون تفاصيله من كونه أمرا ونهيا، ومقتضيا للثواب والعقاب، ومن كون الأمر به هو الله تعالى وأنه واجب الطاعة، وكون المأمور به على صفة كذا وكذا، كالمجنون والصبي الذي لا يميز، فهو بالنظر إلى فهم التفاصيل كالجماد والبهيمة بالنظر إلى فهم أصل الخطاب، ويتعذر تكليفه أيضا لأن التكليف كما يتوقف على فهم الخطاب يتوقف أيضا على فهم تفاصيله.
فالصبي المميز وإن كان يفهم ما لا يفهمه غير المميز، غير أنه أيضا غير فاهم على الكمال ما يفهمه كامل العقل ويعرفه من وجود الله سبحانه وتعالى، وأنه سبحانه وتعالى قد أمر عباده وكلفهم بأوامر ونهاهم عن أشياء، وكذلك هو غير فاهم لوجود الرسول الصادق المبلغ عن الله تعالى، وغير ذلك مما يتوقف عليه مقصود التكليف.