فلا يفهم العظمة فيه: نعم غايته أن يقدر الإنسان نفسه جميل الصورة جالسا على سريره وبين يديه غلمان يمتثلون أمره، فلا جرم غايته أن يقدر ذلك في حق الله - تعالى وتقدس - حتى يفهم العظمة.
بل لو كان للذباب عقل وقيل له ليس لخالقك جناحان ولا يد ولا رجل ولا له طيران لأنكر ذلك، وقال: كيف يكون خالقي أنقص مني؟ أفيكون مقصوص الجناح أو يكون زمنا (139) لا يقدر على الطيران؟ أو يكون لي آلة وقدرة لا يكون له مثلها وهو خالقي ومصوري؟ وعقول أكثر الخلق قريب من هذا العقل، وإن الإنسان لجهول ظلوم كفار، ولذلك أوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه: لا تخبر عبادي بصفاتي فينكرونى ولكن أخبرهم عني بما يفهمون.
ولما كان النظر في ذات الله تعالى وصفاته خطرا من هذا الوجه اقتضى أدب الشرع وصلاح الخلق أن لا يتعرض لمجاري الفكر فيه، لكنا نعدل إلى:
(2) (المقام الثاني) وهو:
صفة الوجود وهو النظر في أفعاله ومجاري قدره وعجائب صنعه وبدائع أمره في خلقه فإنها تدل عليه وعلى جلاله وكبريائه وتقدسه وتعاليه، وتدل على كمال علمه وحكمته وعلى نفاذ مشيئته وقدرته، فينظر إلى صفاته من آثار (صفاته.
واعلم أن كل ما في الوجود مما سوى الله تعالى فهو فعل الله وخلقه، وهو دال على وجوده، كما قال أحدهم:
فواعجبا كيف يعصى * الإله أم كيف يجحده الجاحد وفي كل شئ له آية * تدل على أنه الواحد