المتعالي عن فهم البهيمة للأكل والشرب والجماع لأن هذه غرائز لا تجعل صاحبها يفكر ويعلو عن هذه الرتبة محلقا في رتبة استيعاب الأمور على الوجه المطلوب، لذلك ضبط الشرع ذلك الفهم بكونه واقعا من بالغ بلغته دعوة الإسلام.
ولم نقل من فاهم عاقل لأنه لا يوجد الفهم المقصود والمطلوب إلا من عاقل، ولا يمكن فهم نصوص الكتاب والسنة إلا بالعقل الذي هو مناط (30) التكليف وأسه.
كما لم نقل: من سليم الحواس لأن فاقد الحواس المعنية هنا وهي فقدان حاسة البصر وحاسة السمع معا غير مكلف لأنه لا يمكن إيصال الفهم والمعلومات من أوامر ونواه إليه فهو غير مكلف لذلك.
قال الإمام الراغب الأصفهاني في (المفردات) في مادة (فهم):
(الفهم هيئة للانسان بها يتحقق معاني ما يحسن، يقال فهمت كذا، وقوله تعالى * (ففهمناها سليمان) * وذلك إما بأن جعل الله له من فضل قوة الفهم ما أدرك به ذلك. وإما بأن ألقى ذلك في روعه أو بأن أوحى إليه وخصه به. وأفهمته إذا قلت له حتى تصوره، والاستفهام أن يطلب من غيره أن يفهمه) انتهى.
فإن قال قائل: إذا كان الصبي والمجنون غير مكلف فكيف وجبت عليهما الزكاة والنفقات والضمانات وكيف أمر الصبي المميز بالصلاة؟
قلنا: هذه الواجبات ليست متعلقة بفعل الصبي أو المجنون إذ ليس واحد منهما محلا للخطاب أي لا يخاطب واحد منهما ولا يوجه إليه أمر، إنما تعلق الوجوب بماله أو بذمته، فإنهما أهل ليتعلق المال بذمتهما بإنسانية كل منهما المتهيئة لقبول فهم الخطاب عند البلوغ بالنسبة للصبي وعند البرء والعافية بالنسبة للمجنون، بخلاف البهيمة، والذي يتولى أداء الزكاة عنهما وكذا النفقات