وبذلك يتضح لنا جليا أن قضية تفسير الصراط بأنه الجسر الممدود على ظهر جهنم لم تأت في القرآن الكريم، لكن جاءت في حديث آحاد لم يبلغ التواتر، وفيه إشكالات جمة، تجعلنا نقول عنه إنه ليس حديث آحاد فحسب، وإنما هو مردود للإشكالات الواقعة في أفكاره وقضاياه التي تخالف ما جاء في القرآن الكريم كما سيتبين لنا الآن إن شاء الله تعالى.
ولا بد لنا هنا أن نصرح بأن الأصوليين (أي علماء الأصول) وعلماء الحديث نصوا على أن حديث الآحاد إذا عارض نص القرآن رددناه ولم نأخذ بما فيه، وقد نص علي ذلك الخطيب البغدادي في كتابه " الفقيه والمتفقه " (1 / 132) وغيره من علماء السلف والخلف حتى الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وقد نقلت ذلك بتوسع في كتابنا هذا عند الكلام على حديث الآحاد وأنه لا يفيد العلم وإنما يفيد الظن مطولا موسعا مدللا فارجع إليه إن شئت.
(مناقشة الفكرة الثانية): وهي أن الصراط جسر فوق جهنم:
لقد حوت القضية القائلة بأن الصراط جسر فوق جهنم عدة أفكار لا بد أن نناقشها واحدة واحدة وهذه الأفكار هي: أن فكرة الصراط بهذا المعنى تنص على أن المؤمنين يقربون من النار ويجوزون عليها من بين حافتيها، وأن في هذا الأمر مهما كانت صورته نوع من الهلع والخوف والفزع، وفي ذلك تساوى المؤمنين مع الكافرين في أن الجميع يمرون بهذا الموقف المخيف الصعب الذي يقول فيه الرسل اللهم سلم سلم، وأن الناس من برهم وفاجرهم يمرون عليه واحدا واحدا على اختلاف طريقة السير والسرعة، وأن طريقة دخول النار تتم بالسقوط من هذا الجسر فيها، وأن المرء لا يدري ما هو مصيره عندما يمشي عليه هل سيقع فيها أم لا وهل سيأخذه أحد كلاليب الصراط أم لا!!! إلى غير ذلك من قضايا وأفكار.
والمتأمل في القرآن الكريم يجده ينقض هذه الأفكار التي وردت في حديث الآحاد هذا، وما علينا هنا إلا أن نناقش هذه الأفكار فكرة فكرة بحسب مفهوم