ولا تفكر. ولا كيف لذلك، كما أنه لا كيف له. (1) بيان: هذه الروايات الشريفة ناصة على أن المشية والإرادة والقدر والقضاء فعل لله سبحانه وأنها غير ذاته وغير علمه تعالى. فلا يجوز أن يقال: إنه تعالى لم يزل مريدا شائيا كما يقال: إن الله تعالى لم يزل حيا عالما قادرا.
والفرق بين هذه الروايات وبين ما تقدمت من الروايات الدالة على أن المشيئة هو ابتداء الفعل، والإرادة هو الثبوت عليه، والقدر هو الهندسة من الطول والعرض والبقاء، هو أن الروايات المتقدمة مسوقة لبيان حقيقة كل واحد من المشية والإرادة والقدر والقضاء، وهذه الروايات مسوقة لبيان تنزيه الذات المقدسة عن كونها مشية وإرادة وقدرا وقضاءا. وبعبارة أخرى لبيان المباينة والمغايرة بين حقيقة العلم والقدرة فيه تعالى وبين مشيته وإرادته وقدره وقضائه. فليس تمجيده تعالى بأنه مريد مثل تمجيده تعالى بكونه عالما أو قادرا. وكذلك ليس تمجيده تعالى بكونه مريدا، عن تمجيده بأنه عالم بالنظام الأتقن إلى ما لا نهاية لها من النظامات الحسنى وغير الحسنى.
وهاتان الطائفتان، وإن كان كل واحدة منهما مسوقة لبيان شأن خاص، إلا أن كل واحدة من الطائفتين تؤيد الأخرى وتصدقها وتشهد على صحتها و تشتركان معا في دلالتهما على أن المشية والإرادة فعل لله سبحانه وغير ذاته وعلمه جل ثناؤه.
ولا يخفى أن ما ذكر في هذه الروايات في بيان حقيقة المشية والإرادة والقدر والقضاء - كما أشرنا إليه سابقا - إنما هو راجع إلى مراتب تعينات الفعل وأن كلها حقائق قرآنية وردت في مورد كل واحد منها آيات محكمة صريحة. والفعل المشاء المراد المقدر المقضي بإذن وأجل وكتاب منزه ومقدس عن جميع الكيفيات الطارئة