فإن قلت: أليس يجب الجري على طبق العلم الحصولي؟! أليس حجة قاطعة لصاحبه؟! أليس يمتنع النهي عن العمل به؟!
قلت: البحث في المقام من حيث البحث الكلامي والنظر الفلسفي والتجزئة والتحليل في حقيقة العلم الحصولي الاصطلاحي وبيان الفرق بينه وبين العلم الحقيقي وبيان أنه هل له الحجية الذاتية التي تدور مدار الكشف الذاتي أم لا. أما وجوب الجري على طبقه، فلا كلام فيه. لأنه موضوع تام عند عقلاء الأمم في رفع حوائجهم ومقاصدهم، لوجوب الجري على طبقه، أصاب أو أخطأ. ضرورة أن هذا غير الحجية الذاتية التي تدور مدار الكشف الذاتي.
4 - علم الروح بالخارج المشهود من طريق الحواس علم حقيقي غير متوقف على تصوره. وهذا واضح بناءا على ما قررناه من أن الشاعر والمدرك هو الروح بالشعور والإدراك الخارج عن ذاته. فكما أن النفس تدرك نفسها ومضمراتها وتصوراتها بهذا الشعور، كذلك تجد الخارج وتعلمه بهذا الشعور، حيث إن الروح جسم لطيف مستغرق في مرتبته في الجوهر اللطيف، فيأخذ بشعوره ودركه وقدرته عن المواد اللطيفة التي في مرتبة نفسه ويصورها طبق ما يشاهده من الخارج. ويحفظها بالتوجه إليها. وأحيانا ينشئ شيئا من قبل ذاته من دون اعتبار الخارج. والمثال الواضح لذلك عند تجريد الروح عن البدن - كما في النوم الثقيل الذي هو أخ الموت - يجي ء ويذهب ويقول ويسمع ويرى نفسه، وأحيانا يكون واجدا للعقل والشعور فيرى نفسه وأشياءا أخر مكممة مصورة. فما يرى في اليقظة في داخل نفسه صورة ذهنية، ليست إلا حقيقة خارجية في مرتبة الروح مصورة ومكممة، فيرى هذه الأعيان في عالم المنام كذلك أيضا.
بعبارة أخرى: لا فرق بين ما يشاهده الروح ويراه من الحقائق والأعيان في المنام وبين ما يعلمه ويشاهده في ارتساماته ومتصوراته وانتزاعاته في حال اليقظة