فقوله (صلى الله عليه وآله) " لا غش " أي يحرم. وهكذا في غير هذا المثال لو وصلت النوبة إلى هذا المعنى فمعناه التحريم، كقوله عز من قائل * (لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) * (1) من دون تجوز ورعاية علاقة. هذا إذا كان المنفي عنوانا اختياريا.
وأما إذا لم يكن عنوانا اختياريا إما لذاته وإما لأخذه مفروض الوجود في الخارج والنفي قد ورد بعد فرض وجوده، فلا يصح أن يكون النفي الوارد عليه بمعنى النهي إما لخروج متعلقه عن تحت القدرة وإما لكون النهي عنه من الطلب الحاصل، فلا مناص حينئذ عن كونه تنزيلا لوجوده منزلة عدمه. فلو قيل: لا رجل في الدار أو لا ضرر في الإسلام وفرضنا وجود الرجل في الدار ووجود الضرر في الإسلام فلا محالة ينزل وجودهما منزلة العدم، ويستكشف عن هذا التنزيل منشأ التنزيل ويكون هو مدلولا التزاميا للكلام، ويختلف باختلاف مورد التنزيل. ففي مثل " لا رجل " يدور مدار وقوع هذا الكلام في أي مورد صدر، فقد يقع في مقام نفي الشجاعة، وقد يقع مقام نفي الرجولية والآثار الحاصلة منها، وغير ذلك من الأمور التي لا تحصى. وأما في مثل " لا ضرر في الإسلام " فينحصر وجه التنزيل إما بالوضع أو التكليف، وهذا مضافا إلى بعده لانحصار هذا المعنى في هذا المثال فقط لا يمكن الالتزام به أيضا لا لما ذكره شيخنا الأنصاري (قدس سره)، فإنه يمكن الجواب عنه إذا وصلت النوبة إليه وضاقت الأرض بما رحبت، بل لأنه لا تصل النوبة إليه، لما ظهر في هذين الأمرين أن مراتب النفي التشريعي أربع:
الأول: نفي الحكم الضرري.
الثاني: نفي الحكم بلسان نفي الموضوع، أي نفي الأثر.
الثالث: إرادة النهي.
الرابع: فرض الموجود بلحاظ لزوم تداركه وضعا أو بلحاظ حكمه تكليفا منزلة العدم.