ولكن يظهر من شيخنا الأنصاري (قدس سره) في الوضوء: أنه يشترط في جريان أدلة نفي الضرر علم المكلف بكون الوضوء ضرريا.
ويظهر من غير واحد في المعاملة الغبنية: أنه يشترط في جريان أدلة نفي الضرر كون المكلف جاهلا بالغبن.
وسلكوا في غير هذين البابين غير هذا المسلك، فجعلوا المدار على صدق الضرر واقعا من دون دخل للعلم أو الجهل به - كما هو مقتضى كون الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية - فحكموا بأنه لو كان حفر البئر في الدار موجبا لتضرر الجار فليس للمالك حفره علم الجار بالضرر أو لم يعلم. وحينئذ يقع الإشكال بالنسبة إلى اعتبار العلم في باب الوضوء وما يلحق به كالصوم وإلى اعتبار الجهل في المعاملة الغبنية وما يلحق بها، وعدم اعتبار العلم ولا الجهل في غير هذين البابين كمسألة تضرر الأنصاري وما يلحق بها.
ولكنك خبير بحل الإشكال بناء على ما ذكرنا من أن الحكم المنفي هو الذي يكون الجزء الأخير من العلة للضرر لا ما إذا كان من المقدمات الإعدادية له، ففي مثل حفر البئر نفس ثبوت السلطنة للمالك موجب لتضرر الجار ككون ثبوت حق الاستطراق لسمرة بن جندب بلا استئذان موجبا لتضرر الأنصاري، ولا دخل لعلم الطرف ولا جهله في لحوق الضرر به، وكذلك لا دخل لعلم الحافر أو المستطرق ولا جهله في إلقاء الضرر على طرفه، فلا بد أن يكون المنفي هو نفس السلطنة المجعولة له واقعا الموجبة لتضرر الجار.
وأما مسألة الوضوء والصوم فمضافا إلى أن كون الحديث مسوقا للامتنان يقتضي التقييد بالضرر المعلوم - وإلا يلزم إعادة الوضوء والصوم على من تضرر بهما ولو لم يعلم به وهذا خلاف المنة - أن في مورد الضرر الواقعي ليس الموجب للضرر الحكم الشرعي بوجوب الوضوء والصوم، أي ليس الجزء الأخير من العلة التامة للضرر إطلاق الحكم، ولذا لو فرض انتفاء الحكم في الواقع لوقع هذا المتضرر في الضرر لجهله واعتقاد عدم تضرره، فليس الضرر مستندا إلى تشريع الحكم.