- الرابع - مقتضى ما بينا من فقه الحديث أن لا ضرر حاكم على الأحكام الوجودية تكليفية كانت أو وضعية، ونتيجة حكومتها رفع هذه الأحكام. وأما حكومتها على الأحكام العدمية ففيها إشكال، بل لا دليل عليها. فعلى هذا إذا لزم من عدم الحكم في مورد ضرر على شخص لا يمكن نفي هذا العدم بقاعدة لا ضرر، بأن يكون مفادها إثبات الحكم الغير الثابت كما يكون مفادها نفي الحكم الثابت. فلو فتح شخص قفص طائر فطار أو حبس حرا ففات عمله لا يمكن الحكم بالضمان من باب أنه لولا الحكم به يلزم الضرر على صاحب الطير وعلى الحر.
وبعبارة أخرى في الموارد التي لا تدخل تحت قاعدة الإتلاف وغيرها من موجبات الضمان كاليد ونحوها لا يمكن للفقيه الحكم بالضمان من جهة أنه لولا الحكم به لزم ضرر على شخص، لأن قاعدة لا ضرر ناظرة إلى نفي ما ثبت بالعمومات من الأحكام الشرعية. ومرجع مفادها إلى أن الأحكام المجعولة إذا نشأ منها الضرر فهي منفية، وعدم الحكم بالضمان ليس من الأحكام المجعولة.
ودعوى أن العدم وإن لم يستند بحسب بدوه ومفهومه إلى الشارع لأن العدم الأزلي عبارة عن عدم وجود علة الوجود لا عن وجود علة العدم إلا أنه بحسب البقاء مستند إلى الشارع - لأن ما هو الملاك لتعلق النهي بنفس أن لا تفعل لا الكف هو الملاك لصحة إسناد العدم إلى الشارع - مما لا تنفع في المقام، فإن العدم وإن كان قابلا لأن تناله يد الجعل بحسب البقاء - بأن يرفعه الشارع - أو يبقيه على حاله بأن يحكم بعدم الضمان، إلا أنه لو لم يتعلق به الجعل لا وضعا على حاله ولا رفعا فلا معنى لأن يكون مستندا إلى الشارع.
وبعبارة أخرى: لو كان الحكم المجعول هو عدم الضمان فإذا نشأ منه الضرر لقلنا بارتفاعه، وأما إذا لم يكن هناك جعل أصلا فلا يمكن أن تكون قاعدة لا ضرر حاكمة على ما ليس مجعولا، فإن ما ليس مجعولا لا يستند إلى الشارع.
ولا يقال: إن ما هو الملاك لجريان الاستصحابات العدمية هو الملاك لصحة