اللفظ، والمدلول السياقي يختلف باختلاف المقامات. فقد يستكشف من قوله " بعت " انشاء البيع، وقد يستكشف منه الحكاية. وعلى هذا، فلو لم يمكن إبقاء النفي على حقيقته، لعدم كون المنفي صالحا لأن تناله يد الجعل لا باعتبار نفس النفي ولا باعتبار المنفي، وعدم كونه ذا حكم لا بنفس عنوانه ولا لكونه مندرجا لولا النفي تحت عمومه أو إطلاق.
فإذا كان المنفي عنوانا اختيارا صالحا لتعلق التكليف به تعين بمقتضى السياق حمل الجملة على الجملة الطلبية، وجعل النفي في قوة النهي تارة تحريميا كقوله (صلى الله عليه وآله) " لا غش بين المسلمين " (1) وأخرى تنزيهيا كقوله (صلى الله عليه وآله) " لا هجر بين المسلمين فوق ثلاثة أيام " (2) من دون رعاية عناية في اللفظ ولا تقدير في الكلمة، لأن مقام الشارعية يقتضي الحمل على الطلب، فإن حال الجملة المتضمنة لنسبة المصدر أو اسم ا لمصدر إلى الفاعل هو حال فعل المضارع بعينه، وكما أن فعل المضارع يحمل على الطلب إذا لم يرد حكاية عن تلبس الفاعل بمبدأ الاشتقاق فكذلك حال المصدر واسم المصدر من دون مؤنة إضمار ولا تجوز وعناية ونحو ذلك.
والسر في ذلك أن مناط تمحض الأمر والنهي للإنشاء هو كونهما موضوعين لإيقاع التلبس بالمبدأ وعدم التلبس به في عالم التشريع على الفاعل، ومعنى " اضرب " أنت متلبس بالضرب تشريعا الذي مفاده كن متلبسا بالضرب. ومن إلقاء المبدأ إلى الفاعل تشريعا وإيقاع التلبس به إليه كذلك لا تكوينا يتحقق مصداق للطلب، وليس معنى " اضرب " أطلب منك الضرب. فإذا كان هذا مناط الإنشاء والطلب في الأمر والنهي، فكل ما يشاركهما في هذا المناط فهو مثلهما في كونه طلبيا. وفعل المضارع كقوله: " يعيد " أو " لا يعيد " أو المصدر كقوله: " لا غش " و " لا هجر " إذا كان لإيقاع التلبس بالمبدأ أو عدم التلبس فيفيد الطلب أمرا أو نهيا