بل يمكن أن يقال: إنه لو كان المراد منه أن الفرد الضرري لا حكم له فمقتضاه بطلان نفس العقد، لأن العقد الغبني لو لم يكن له حكم فرفع خصوص اللزوم لا وجه له. وهذا بخلاف ما إذا كان المراد منه أن الحكم الناشئ منه الضرر ليس بمجعول، لأنه لا بد أن يلاحظ أن المجعول الذي ينشأ منه الضرر هل هو الصحة أو اللزوم؟ ولا إشكال أن الجزء الأخير للعلة التامة هو اللزوم لا الصحة فيجب أن يتعلق الرفع به لا بالصحة.
وكيف كان، فالمعنى الأول وهو نفي الحكم الضرري أصوب الوجوه وأقوى المحتملات، لأنه هو المعنى الحقيقي للنفي.
نعم، قد يتوهم أن الضرر حيث يكون عنوانا ثانويا للأفعال فيختص صحة ورود النفي البسيط عليه بما إذا كان عنوانا ثانويا ومسببا توليديا عن الأمور الخارجية التكوينية، دون ما إذا كان عنوانا ثانويا للأمور التشريعية كلزوم العقد ووجوب الوضوء، لا سيما في مثل الأخير، فإن إيجاب الوضوء على من يتضرر به ليس علة تامة للزوم الضرر، بل هو من المعدات. فإسناد الضرر إلى الحكم إسناد مجازي.
ولكنك خبير بفساد هذا التوهم وأنه لا فرق في الإسناد الحقيقي بين أن يكون الضرر عنوانا ثانويا للأمور الخارجية التكوينية وأن يكون عنوانا ثانويا للأمور الشرعية، وأنه يصح نفي الضرر حقيقة عن كليهما بجامع واحد.
أما إذا كان الحكم الضرري من قبيل لزوم العقد من الوضعيات المترتبة عليها آثارها بنفس تشريعها فواضح، لأن الضرر الناشئ من لزوم العقد كالعقد الغبني مثلا إنما ينشأ من نفس تشريع اللزوم بقوله عز من قائل * (أوفوا بالعقود) * (1) ونحوه، فيكون جعل اللزوم وإنشاؤه تشريعا للضرر وعلة تامة له من دون توسط أمر آخر في البين.