- السادس - مقتضى ورود الحديث في مقام المنة عدم وجوب تحمل الإنسان الضرر المتوجه إلى الغير لدفعه عنه، ولا وجوب تدارك الضرر الوارد عليه، أي لا يجب رفعه عن الغير كما لا يجب دفعه عنه. وهكذا لا يجوز توجيه الضرر الوارد إليه إلى الغير، فلو توجه السيل إلى داره فله دفعه لا توجيهه إلى دار غيره، وذلك لتعارض الضررين وعدم المرجح في البين.
ومقتضى ذلك أنه لو دار الأمر بين حكمين ضرريين بحيث يلزم من الحكم بعدم أحدهما الحكم بثبوت الآخر اختيار أقلهما ضررا سواء كان ذلك بالنسبة إلى شخص واحد أم شخصين، لأن الله سبحانه إذا نفى الحكم الضرري منة على عباده، والمفروض أن نسبة الحكم المنفي بالنسبة إلى كل عبد واحدة، فكما لو توجه أحد الضررين إلى شخص واحد يختار أخفهما وأقلهما، فكذا لو توجه إلى أحد الشخصين.
وعلى هذا فلو لم يكن بينهما ترجيح فمقتضى القاعدة هو التخيير لا الرجوع إلى سائر القواعد، لأنه ليس المقام من باب تعارض الدليلين، لأن عدم إمكان الجمع لم ينشأ من عدم إمكان الجمع في الجعل، بل إنما نشأ من تزاحم الحقين كتزاحم الغريقين، فلو كان في البين أهمية كدوران الأمر بين الضرر على العرض والمال فينفي الضرر على العرض ولو لم تكن فالتخيير.
اللهم إلا أن يقال: فرق بين دوران الأمر بين أحد الضررين الواردين على شخص واحد ودورانه بين أحد الضررين الواردين على شخصين، فإذا توجه أحدهما على شخص فيختار أخفهما لو كان وإلا فالتخيير.
وأما لو دار بين شخصين كالتولي من قبل الجائر الذي تركه ضرر على المتولي وإقدامه ضرر على غيره فلا وجه للتخيير ولا الترجيح، لأنه يدخل فيما تقدم أنه لا يجب تحمل الضرر لدفعه عن غيره.