وأما إذا كان من التكليفيات كإيجاب الوضوء على من يتضرر به وما كان من قبيل ذلك كجعل السلطنة للمالك أو الشريك على ما يتضرر به الجار أو الشريك، فلأن ترتب الضرر على الإيجاب والجعل وإن كان بتوسط إرادة المكلف واختياره وليس نفس البعث والجعل علة تكوينية للوقوع في الضرر إلا أن إرادة المكلف حيث كانت مقهورة في عالم التشريع لهذا البعث والجعل الشرعي فبالأخرة ينتهي الضرر إلى البعث والجعل كانتهاء المعلول الأخير إلى العلة الأولى، لا كانتهائه إلى المعد، فإنه فرق بين سقي الزارع وحرثه وبين أمر الشارع وجعله، فإن السقي معد لحصول السنبل. والجزء الأخير من العلة التامة وهو النمو وانعقاد الحبة ونحو ذلك من الأمور الملكية والملكوتية خارج عن تحت قدرة الزارع. وأما إرادة العبد واختياره ففي عين كونها اختيارية مقهورة لإرادة الله سبحانه، لأن العبد ملزم عقلا ومجبور شرعا بالامتثال. فالعلة التامة لوقوع المتوضئ أو الشريك أو الجار في الضرر هي الجعل الشرعي.
وبالجملة: كلما وقع في سلسلة معلولات الحكم الشرعي فلا يخرج الأثر المترتب بتوسطها عن كونه متولدا عن العلة الأولى وعنوانا توليديا لها.
نعم، إذا كانت هناك واسطة خارجة عن هذه السلسلة فلا يستند الأثر إلى تلك الواسطة، ولذا حكموا بأنه لو حفر أحد بئرا في الشارع العام ووقع أحد فيه بلا التفات ولا إلقاء من غيره فالضمان يستند إلى الحافر.
وأما لو دفعه غير الحافر إلى البئر فالضمان يستند إليه لا إلى الحافر.
وحاصل الكلام: أنه لا فرق بين لزوم العقد ووجوب الوضوء في صحة إسناد الضرر إلى الجعل الشرعي على كلا التقديرين، فإن الضرر في القسم الأول يجري مجرى الإحراق من الإلقاء في النار، وفي القسم الثاني مجرى الاحتراق المنتهى بتوسط علله الطولية إلى تأجيج النار.
نعم، بينهما فرق من جهة أخرى، وهي أن في القسم الأول لا يصح إسناد الضرر إلا إلى الجعل الشرعي.