وهذه المراتب الأربع طولية لا يتنزل من كل سابق إلى لاحقه إلا بعد تعذر السابق، وأما مع إمكانه كما سيتضح فلا وجه لإرادة هذا المعنى الذي هو أردء الوجوه إلا على توجيه سنذكره.
الثالث: قد ذكر الفقهاء في باب الضمان أنه لو تلف العين المضمونة فيجب على الضامن من تداركها، إما بالمثل أو القيمة. وذكروا أن أداء المثل أو القيمة بمنزلة أداء نفس العين التي يجب أداؤها بمقتضى قوله (صلى الله عليه وآله): على اليد ما أخذت حتى تؤدي.
ومقتضى ذلك: أنه إذا حكمنا باشتغال ذمة الضار وضعا صح تنزيل الضرر الموجود منزلة المعدوم، كما يصح تنزيل المعدوم منزلة الموجود في العين التالفة.
وبالجملة: المعنى الرابع وإن كان متأخرا عن المعاني السابقة عليه ولكنه إذا وصلت النوبة إليه فلا بد من الالتزام به وفرض الضرر الموجود منزلة عدمه بلحاظ اشتغال ذمة الضار بلزوم التدارك وضعا، وهذا التنزيل في العرف شائع، ولذا يخسرون الأموال لجلب المنافع وإذا حصل لهم النفع فلا يعدون ما خسروه ضررا.
نعم، مجرد وجود التدارك تكليفا لا يقتضي صحة تنزيل الضرر المفروض وجوده منزلة عدمه.
وحاصل الفرق: أن مجرد الجعل الشرعي لا يرفع الضرر الخارجي إذا كان تكليفيا محضا.
وأما إذا انتقل قيمة العين التي أتلفها المتلف إلى ذمته، فيصح أن يقال: لا ضرر، كما يصح أن يقال: أدى العين إذا أدى مثلها أو قيمتها.
فما أفاده شيخنا الأنصاري (قدس سره) في ملحقات المكاسب في تعليل كون هذا الوجه أردء الاحتمالات من قوله: إن الضرر الخارجي لا ينزل منزلة العدم بمجرد حكم الشارع بلزوم تداركه، وإنما المنزل منزلة الضرر المتدارك فعلا إلى آخر كلامه (قدس سره) (1).