وكيف كان، هذا الوجه هو المتعين بين المحتملات من حيث نفس التركيب وباعتبار وروده في الروايات كبرى كلية، كالرواية الواردة في قضية سمرة والواردة في البعير المريض، وبهذا الوجه يقدم على أدلة الأحكام، فإن هذا هو أساس الحكومة أو ما يرجع إلى ذلك دون المعنيين الآخرين.
أما كون هذا المعنى متعينا بين المحتملات فتوضيحه يتوقف على تمهيد أمور:
الأول: قد ذكرنا في أول البراءة في بيان معنى حديث الرفع: أن وجود هذه المرفوعات في الخارج لا يلازم استعمال الرفع في الحديث المبارك في غير معناه الحقيقي، أو تقدير شئ من المؤاخذة ونحوها حتى يصح استعماله في معناه الحقيقي. بل حيث إن الرفع الوارد في كلام الشارع رفع للتسعة في عالم التشريع فاستعمل في معناه الحقيقي، ويتعلق بما يقبل الرفع بنفسه - كقوله (صلى الله عليه وآله) رفع ما لا يعلمون - وما لا يقبله إلا بأثره كرفع النسيان وأخواته بجامع واحد.
نعم يختلف نتيجة الرفع باختلاف المرفوع، فقد يفيد الحكم الظاهري وقد يفيد تخصيص الأحكام الواقعية، وحال " لا ضرر ولا ضرار " بعينه حال " رفع عن أمتي تسعة " فكما أن الرفع في هذا الحديث تعلق بما يقبل الرفع بنفسه وما لا يقبله إلا بأثره فكذلك يمكن تعلق نفي الضرر بكلتا الطائفتين من دون لزوم تجوز أو ادعاء ونحوهما من العنايات، لأنه ليس قوله (صلى الله عليه وآله) " رفع " أو " لا ضرر " إخبارا حتى يلزم تجوزا وإضمارا لئلا يلزم الكذب، فإذا لم يكن لا ضرر إلا إنشاء ونفيا له في عالم التشريع فيختلف نتيجته باختلاف المنفي كاختلاف المرفوع.
ثم إنه كما يكون النفي الخبري حقيقيا تارة كقوله - لا رجل في الدار - وادعائيا أخرى كقوله (عليه السلام) " يا أشباه الرجال ولا رجال " كذلك النفي التشريعي أيضا ينقسم إلى هذين القسمين كقوله (عليه السلام) " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " وقوله (عليه السلام) " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " وينتج الفساد في الأول ونفي الكمال في الثاني من دون استعمال النفي في الصحة في الأول والكمال في الثاني، بل لأن نفي الأمر القابل لأن تناله يد الجعل حقيقة مقتضاه نفي المجعول واقعا، وهذا عين الفساد، ونفيه ادعاء مقتضاه نفي الكمال.