كنائيا أو مدلولا التزاميا لنفي الضرر والضرار - مجرد وجوبه تكليفيا على المضر دون اشتغال ذمته به، لأن مجرد حكم الشارع بوجوب تدارك الضرر تكليفا غير موجب لعد الضرر الواقع بمنزلة العدم ويقال لا ضرر ولا ضرار. وعلى فرض استفادة الوضع منه أيضا يكون هذا الوجه أردء الوجوه، لأنه على هذا يكون لا ضرر مدركا لقاعدة فقهية لا عين لها ولا أثر في كلمات الأصحاب، لأنه لم يعهد من واحد منهم عد الضرر من أحد أسباب الغرامة كعدهم الإتلاف والتلف في بعض المقامات منها.
وبالجملة: مع ورود صحيحة الكناني ورواية الحلبي الصريحتين في أن " من أضر بشئ من طريق المسلمين فهو له ضامن " لم يعدوا الإضرار من أسباب الضمان، وإنما حكموا بالضمان على من حفر بئرا في طريق المسلمين ونحوه من باب الإتلاف بالتسبيب لاستناد التلف إلى السبب دون المباشر، فراجع باب الضمان.
وكيف كان، فأحسن الوجوه وأصحها هو ما أختاره شيخنا الأنصاري - وهو ثالث الوجوه في كلامه - لأن هذا الوجه يصلح لأن يكون مدركا للقاعدة الفقهية المتداولة بين الفقهاء دون الثاني والرابع.
أما الثاني فلأنه بناء عليه يكون " لا ضرر " بنفسه حكما فرعيا ودليلا على حرمة الإضرار كسائر أدلة المحرمات.
وأما الرابع فلما عرفت من أنه لم يعهد من أحد عد الضرر من أسباب الغرامات، وهذا بخلاف هذا الوجه، فإنه دليل لكثير من الأحكام الشرعية، كخيار الغبن وسقوط النهي عن المنكر وإقامة الحدود ولزوم أداء الشهادة ووجوب الوضوء وغير ذلك من الموارد العديدة المعدودة أغلبها في " العناوين " وكثير مما عده في هذا الكتاب وإن لم يخل عن مناقشة، لعدم انحصار مدركه في قاعدة نفي الضرر، ولكنه على أي حال هي المدرك في كثير من الفروض ويطلع عليه المتتبع المراجع في كتب الأصحاب لا سيما العلامة (قدس سره) في التذكرة.