والمتحركة منبثا في جميع البدن، يسمى (روحا نفسانيا). وما ينزل بصحابة أمناء الأوردة إلى الكبد الذي هو مبدأ القوى النباتية، ومنه يتفرق إلى سائر الأعضاء، يسمى (روحا طبيعيا). وقد خلق الله سبحانه هذا الروح من لطائف الأمشاج الأربعة، كما خلق الأعضاء من كثائفها. وهذا الروح مثاله جرم نار السراج، والقلب الذي محله كالمسرجة له، والدم الأسود الذي في باطن القلب ويتكون هذا البخار اللطيف منه بمنزلة الفتيلة له، والغذاء له كالزيت، والحياة الظاهرة في جميع أجزاء البدن بسببه كالضواء للسراج في جملة البيت، وكما إن السراج إذا انقطع زيته انطفأ، فسراج الروح أيضا ينطفئ مهما انقطع غذاؤه، وكما إن الفتيلة قد تحترق وتصير رمادا بحيث لا تقبل الزيت، فكذلك الدم الأسود الذي في باطن القلب قد يحترق بحيث لا يقبل الغذاء الذي تبقى الروح به، كما لا يقبل الرماد الزيت قبولا تتشبث النار به، وكما إن السراج ينطفئ تارة بسبب من داخل - كما ذكرنا - وتارة بسبب من خارج، كهبوب ريح أو إطفاء إنسان، فكذلك انطفاء الروح تارة يكون بسبب من داخل وتارة بسبب من خارج، كالقتل، وكما إن انطفاء السراج هو منتهى وقت وجوده كذلك انطفاء الروح هو منتهى وقت وجود الإنسان، وهو أجله الذي أجل له في أم الكتاب.
وكما إن السراج إذا انطفأ أظلم البيت كله كذلك الروح إذا انطفأ أظلم البدن كله، وفارقته أنواره التي كان يستفيدها من الروح، وهي أنوار الاحساسات والقدرة والإرادات وسائر ما يجمعها معنى الحياة.
ثم انظر - يا حبيبي - إن كنت من أهل اليقظة في (اليدين) وحكمتهما، حيث طولهما لتمتدا إلى المقاصد، وعرض الكهف ووضع عليها الأصابع الخمس، وقسم كل إصبع بثلاث أنامل، وجعل الإبهام في جانب، والبواقي في جانب، ليدور عليها، ولو اجتمع الأولون والآخرون على أن يستنبطوا بدقيق الفكر وجهان آخر في وضع الأصابع سوى ما وضعت عليه من بعد الإبهام من الأربع وترتبها في صف واحد وتفاوتها في الطول والقصر، على أن يكون هذا الوجه أزين وأصلح منه أو مثله وشبهه في الزينة والمصلحة لم يقدروا عليه، إذ بهذا الترتيب صلحت للقبض والإعطاء، فإن بسطتها كانت