(ومنها) أن يكون مستجاب الدعوات، بل له الكرامات وخرق العادات. والسر فيه أن النفس كلما ازدادت يقينا ازدادت تجردا، فتحصل لها ملكة التصرف في موارد الكائنات. قال الإمام أبو عبد الله الصادق - عليه السلام -: " اليقين يوصل العبد إلى كل حال سني ومقام عجيب، كذلك أخبر رسول الله - صلى الله عليه وآله - من عظم شأن اليقين حين ذكر عنده أن عيسى بن مريم - عليه السلام - كان يمشي على الماء، فقال: لو زاد يقينه لمشي في الهوى ". فهذا الخبر دل على أن الكرامات تزداد بازدياد اليقين، وأن الأنبياء مع جلالة محلهم من الله متفاوتون في قوة اليقين وضعفه.
مراتب اليقين:
وقد ظهر مما ذكر: أن اليقين جامع جميع الفضائل ولا ينفك عن شئ منها، ثم له مراتب: (أولها) علم اليقين، وهو اعتقاد ثابت جازم مطابق للواقع - كما مر - وهو يحصل من الاستدلال باللوازم والملزومات، ومثاله اليقين بوجود النار من مشاهدة الدخان. و (ثانيها) عين اليقين، وهو مشاهدة المطلوب ورؤيته بعين البصيرة والباطن، وهو أقوى في الوضوح والجلاء من المشاهدة بالبصر، وإلى هذه المرتبة أشار أمير المؤمنين (ع) بقوله: " لم أعبد ربا لم أره " بعد سؤال ذعلب اليماني عنه - عليه السلام -: أرأيت ربك؟ وبقوله - عليه السلام -: " رأى قلبي ربي ".
وهو إنما يحصل من الرياضة والتصفية وحصول التجرد التام للنفس، ومثاله اليقين بوجود النار عند رؤيتها عيانا. و (ثالثها) حق اليقين، وهو أن تحصل وحدة معنوية وربط حقيقي بين العاقل والمعقول، بحيث يرى العاقل ذاته رشحة من المعقول ومرتبطا به غير منفك عنه، ويشاهد دائما ببصيرته الباطنة فيضان الأنوار والآثار منه إليه، ومثاله اليقين بوجود النار بالدخول فيها من غير احتراق. وهذا إنما يكون لكمل العارفين بالله المستغرقين في لجة حبه وأنسه، المشاهدين ذواتهم بل سائر الموجودات من رشحات فيضه الأقدس، وهم الصديقون الذين قصروا أبصارهم الباطنة على ملاحظة جماله ومشاهدة أنوار جلاله. وحصول هذه المرتبة يتوقف على مجاهدات شاقة