ظاهر بين، فلا يمكن للنفس أن تحيط بكله، بل يظهر لها منه بقدر قوتها واستعدادها، ثم بقدر ما يحصل للنفس من التصفية والتزكية وما يتجلى لها من الحقائق والأسرار، ومن معرفة عظمة الله ومعرفة صفات جلاله ونعوت جماله، تحصل لها السعادة والبهجة واللذة والنعمة في نعيم الجنة، وتكون سعة مملكته فيها بحسب سعة معرفته بالله وبعظمته وبصفاته وأفعاله، وكل منها لا نهاية له. ولذا لا تستقر النفس في مقام من المعرفة. والبهجة والكمال والتفوق والغلبة تكون غاية طلبتها، ولا تكون طالبة لما فوقها.
وما اعتقده جماعة من أن ما يحصل للنفس من المعارف الإلهية والفضائل الخلقية هي الجنة بعينها فهو عندنا باطل، بل هي موجبة لاستحقاق الجنة التي هي دار السرور والبهجة.
ومنها:
الشرك وهو أن يرى في الوجود مؤثرا غير الله سبحانه، فإن عبد هذا الغير - سواء كان صنما أو كوكبا أو إنسانا أو شيطانا - كان شرك عبادة، وإن لم يعبده ولكن لاعتقاده كونه منشأ أثر أطاعه فيما لا يرضي الله فهو شرك طاعة، والأول يسمى بالشرك الجلي، والثاني يسمى بالشرك الخفي، وإليه الإشارة بقوله تعالى:
" وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " (28).
وكون الشرك أعظم الكبائر الموبقة وموجبا لخلود النار مما لا ريب فيه وقد أنعقد عليه إجماع الأمة، والآيات والأخبار الواردة به خارجة عن حد الاحصاء.
ثم للشرك مراتب تظهر في بحث ضده الذي هو التوحيد، والشرك وإن كان شعبة من الجهل، كما أن التوحيد الذي هو ضده من أفراد اليقين والعلم، فذكرهما على حدة لم يكن لازما هنا، إلا أنه لما كان المتعارف ذكر التوحيد في كتب الأخلاق. فنحن أيضا ذكرنا له عنوانا على حدة تأسيا بها، وأشرنا إلى لمعة يسيرة منه، إذ الاستقصاء فيه والخوض في غمراته مما ليس