يستر عورتك ولا يظهر للناس سوءتك، واكتف من المسكن بما يحول بينك وبين الأبصار ويدفع عنك حر الشمس ويرد الأمطار، فإن جاوزت عن ذلك تشعبت همومك وتكثرت غمومك، وأحاط بك الشغل الدائم والعناء اللازم، وذهب عنك جل خيراتك وضاعت بركات أوقاتك. وبعد ذلك راقب قلبك في جميع الأوقات، وإياك أن تهمله لحظة من اللحظات، واحفظه من أن يكون محلا لغير معرفة الله وحبه، وليكن القرب إلى الله والأنس به غاية همك، إذ العاقل إنما يميل ويشتاق إلى ما هو الأشرف والأكمل، ويسر ويرتاح بما له أحسن وأنفع، ولا ريب في أن أشرف الموجودات وأكملها هو سبحانه، بل هو الموجود الحقيقي والكمال الواقعي، وغيره من الموجودات والكمالات من لوازم فيضه ورشحات وجوده وفضله، وله غاية ما يتصور من العلو والكمال والبهاء والجلال، إن معرفته وحبه أحسن الأشياء وأنفعها لكل أحد، لأنه الباعث للسعادة الأبدية والبهجة الدائمية، فلا ينبغي للعاقل أن يترك ذلك اشتغالا بفضول الدنيا وخسائسها، بل يلزم عليها أن يترك حبلها على غاربها، ويخلص نفسه الشريفة عن مخالبها، ويتوجه بكليته إلى جناب ربه، ولم يكن فرحه وابتهاجه إلا بحبه وأنسه.
فصل الفرق بين الاطمئنان والأمن من مكر الله ضد الخوف المذموم هو اطمئنان القلب في الأمور المذكورة، ولا ريب في كونه فضيلة وكما لا، إذ قوة القلب وعدم اضطرابه مما يحكم العقل بعدم الحذر عنه صفة كمال، ونقيضه نقص ورذيلة.
وأما الخوف الممدوح، فضده الأمن من مكر الله، وهو من المهلكات ود ورد به الذم في الآيات والأخبار، قال الله سبحانه:
فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون (127).
وقد ثبت بالتواتر: أن الملائكة والأنبياء كانوا خائفين من مكره، كما روي: " أنه لما ظهر على إبليس ما ظهر، طفق جبرئيل وميكائيل يبكيان، فأوحى الله إليهما: ما لكما تبكيان؟ فقالا: يا رب! لا نأمن مكرك، فقال