عليه وآله وسلم " بني الدين على النظافة " يتناول زوال النجاستين. وما ورد من أن الطهور نصف الإيمان المراد به طهارة الباطن عن خبائث الأخلاق، وكان النصف الآخر تحليته بشرائف الصفات وعمارته بوظائف الطاعات.
وبما ذكر ظهر أن العلم الذي يحصل من طريق المجادلات الكلامية والاستدلالات الفكرية، من دون تصقيل لجوهر النفس، لا يخلو عن الكدرة والظلمة، ولا يستحق اسم اليقين الحقيقي الذي يحصل للنفوس الصافية، فما يظنه كثير من أهل التعلق بقاذورات الدنيا أنهم على حقيقة اليقين في معرفة الله سبحانه خلاف الواقع، لأن اليقين الحقيقي يلزمه " روح " (10) ونور وبهجة وسرور، وعدم الالتفات إلى ما سوى الله، والاستغراق في أبحر عظمة الله، وليس شئ من ذلك حاصلا لهم، فما ظنوه يقينا إما تصديق مشوب بالشبهة، أو اعتقاد جازم لم تحصل له نورانية وجلاء وظهور وضياء، لكدرة قلوبهم الحاصلة من خبائث الصفات.
والسر في ذلك أن منشأ العلم ومناطه هو التجرد كما بين في مقامه، فكلما تزداد النفس تجردا إيمانا ويقينا، ولا ريب في أنه ما لم ترتفع عنها أستار السيئات وحجب الخطيئات لم يحصل لها التجرد الذي هو مناط حقيقة اليقين فلا بد من المجاهدة العظيمة في التزكية والتحلية حتى تنفتح أبواب الهداية وتنضح سبل المعرفة كما قال سبحانه:
(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) (11).
فصل إن العمل نفس الجزاء كل نفس في يده الخلقة خالية عن الملكات بأسرها، وإنما تتحقق كل ملكة بتكرر الأفاعيل والآثار الخاصة به (12) بيان ذلك أن كل قول أو فعل ما دام وجوده في الأكوان الحسية لاحظ له من الثبات لأن الدنيا دار