بريئة عن جميع ما يصدر من الكبر من الأفعال والحركات، فينبغي لكل مؤمن أن يقتدي به. وقد روى أبو سعيد الخدري: " أنه (ص) كان يعلف الناضح، ويعقل البعير، ويقم البيت، ويحلب الشاة، ويخصف النعل، ويرقع الثوب، ويأكل مع خادمه، ويطحن عنه إذا أعيى، ويشتري الشئ من السوق، ولا يمنعه الحياء أن يعلقه بيده أو يجعله في طرف ثوبه وينقلب إلى أهله. يصافح الغني والفقير والصغير والكبير، ويسلم مبتدئا على كل من استقبله من صغير أو كبير أسود أو أحمر حر أو عبد من أهل الصلاة، ليست له حلة لمدخله ولا حلة لمخرجه، لا يستحيي من أن يجيب إذا دعي، وإن كان أشعث أغبر، ولا يحقر ما دعي إليه، وإن لم يجد إلا حشف الرقل (89)، لا يرفع غداء لعشاء ولا عشاء لغداء. هين المؤنة، لين الخلق كريم الطبيعة، جميل المعاشرة، طلق الوجه، بساما من غير ضحك، محزونا من غير عبوس، شديدا في غير عنف، متواضعا في غير مذلة، جوادا من غير سرف، رحيما لكل ذي قربى، قريبا من كل ذمي ومسلم، رقيق القلب دائم الإطراق، لم يبسم قط من شبع، ولا يمد يده إلى طمع ". هذا وقال أبو الحسن عليهما السلام: " التواضع: أن تعطي الناس ما تحب أن تعطاه ". وسئل عن حد التواضع الذي إذا فعله العبد كان متواضعا، فقال: " التواضع درجات: منها أن يعرف المرء قدر نفسه، فينزلها منزلتها بقلب سليم لا يحب أن يأتي إلى أحد إلا مثل ما يؤتى إليه، إن رأى سيئة درأها بالحسنة، كاظم الغيظ عاف عن الناس، والله يحب المحسنين ".
وصل (التواضع ومدحه) قد أشير إلى أن ضد الكبر (التواضع)، وهو انكسار للنفس يمنعها من أن يرى لذاتها مزية على الغير، وتلزمه أفعال وأقوال موجبة لاستعظام الغير وإكرامه، والمواظبة عليها أقوى معالجة لإزالة الكبر. ولا بد من الإشارة إلى الأخبار الواردة في مدح التواضع وفوائده، تحريكا للطالبين إلى السعي في تحصيله الموجب لإزالة ضده، وهذه الأخبار كثيرة خارجة