الصادرة منه تكبرا، ولذا من تعزز ورأى نفسه باطنا فوق الغير، من دون صدور فعل على جوارحه، يقال له (كبر)، وإذا ظهرت الأعمال يقال له (تكبر). وهذه الأعمال الظاهرة التي هي ثمرات خلق الكبر أفعال وأقوال توجب تحقير الغير والإزراء به، كالترفع عن مواكلته ومجالسته، والاستنكاف عن مرافقته ومصاحبته، وإبعاده عن نفسه، وإبائه عن الجلوس بجنبه، وانتظاره أن يسلم عليه، وتوقعه أن يقوم ماثلا بين يديه. والاستنكاف من قبول وعظه، وتعنيفه في إرشاده ونصحه، وتقدمه عليه في المحافل والطرقات وعدم الالتفات إليه في المحاورات، وتوقع التقديم عليه في كل ما يدل على التعظيم عرفا. وبالجملة: الأعمال الصادرة عن الكبر كثيرة، ولا حاجة إلى إحصائها، لكونها مشهورة معروفة، ومن جملتها الاختيال في المشي وجر الثياب، إذ فاعلها يرى نفسه فوق الأكثر ويقصد بهما استحقارهم، فهما يقتضيان متكبرا عليه، فيكونان من أنواع التكبر، وما ورد في ذمهما يدل أيضا على ذمه، كما يأتي. وهذه الأفعال المعبر عنها بالتكبر قد تصدر عن الحقد أو الحسد أو الرياء، وإن لم تكن في النفس عزة وتعظم.
فصل (ذم الكبر) الكبر آفة عظيمة وغائلته هائلة، وبه هلك خواص الأنام فضلا من غيرهم من العوام، وهو الحجاب الأعظم للوصول إلى أخلاق المؤمنين، إذ فيه عز يمنع عن التواضع، وكظم الغيظ، وقبول النصح، والدوام على الصدق، وترك الغضب والحقد والحسد والغيبة والإزراء بالناس، وغير ذلك. فما من خلق مذموم إلا وصاحب الكبر مضطر إليه، ليحفظ به عزه، وما من خلق محمود إلا وهو عاجز عنه. خوفا من فوات عزه. ولذا ورد في ذمه ما ورد من الآيات والأخبار، قال الله سبحانه:
" كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار " (69). وقال: " سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون " (70). وقال: " والملائكة باسطوا أيديهم