فهما متعاضدان ومتظاهران، وما يحكم به أحدهما يحكم به الآخر أيضا، وكيف يكون مقتضى الشرع مخالفا لمقتضى ما هو حجة قاطعة وأحكامه للواقع مطابقة، فالعقل هو الشرع الباطن والنور الداخل، والشرع هو العقل الظاهر والنور الخارج. وما يتراءى في بعض المواضع من التخالف بينها إنما هو لقصور العقل أو لعدم ثبوت ما ينسب إلى الشرع منه، فإن كل عقل ليس تاما، وكلما ينسب إلى الشرع ليس ثابتا منه، فالمناط هو العقل الصحيح وما ثبت قطعا من الشريعة، وأصح العقول وأقواها وأمتنها وأصفاها هو عقل صاحب الوحي. ولذا يدرك بنوريته ما لا سبيل لأمثال عقولنا إلى دركه، كتفاصيل أحوال نشأة الآخرة، فاللازم في مثله أن نأخذه منه إذعانا وإن لم نعرف مأخذه العقلي.
أصول العقائد المجمع عليها ثم ما أجمعت الأمة المختارة عليه من أصول العقائد هو: أن الواجب سبحانه موجود، وإنه واحد في الألوهية، وبسيط عن شوائب التركيب، ومنزه عن الجسمية وعوارضها، وإن وجوده وصفاته عين ذاته، وإنه متقدم على الزمان والمكان ومتعال عنهما، وإنه حي قديم أزلي قادر مريد عالم بجميع الأشياء، وعلمه بها بعد إيجادها كعلمه بها قبله، ولا يزداد بإحداثها علما، وإن قدرته عامة بالنسبة إلى جميع الممكنات، وإنه يخلق ما يشاء ويفعل ما يريد، ولا يكون شئ إلا بمشيئته، وإنه عدل في حكمه صادق في وعده.
وبالجملة مستجمع لجميع الصفات الكمالية، وليس كمثله شئ، ولا يتصور عقل ولا وهم مثله، بل هو تام فوق التمام.
وإن القرآن كلامه، ومحمد - صلى الله عليه وآله وسلم - رسوله، ما أتى به من أمور النشأة الآخرة من الجنة والنار والحساب والثواب والعقاب والصراط والميزان والشفاعة وغير ذلك مما ثبت في شريعته المقدسة حق ثابت، فيجب على كل مؤمن أن يأخذ بجميع ذلك ويتشبث به ويجرد باطنه له، بحيث لو أورد عليه ما ينقضه لم يقبله ولم يعرضه شك وريب.