لهيولانية وجودها وقابليتها للأمرين بتوسط قوتيها العقلية والوهمية، إلى أن يغلب أحد الجندين ويسخر مملكة النفس ويستوطن فيها، وحينئذ يكون اجتياز الثاني على سبيل الاختلاس، وحصول الغلبة إنما هو بغلبة الهوى أو التقوى، فإن غلب عليها الهوى وخاضت فيه صارت مرعى الشيطان ومرتعه وكانت من حزبه، وإن غلب عليها الورع والتقوى صارت مستقر الملك ومهبطه ودخلت في جنده، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
" خلق الله الإنس ثلاثة أصناف: صنف كالبهائم، قال الله تعالى:
" لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها " (41).
وصنف أجسادهم أجساد بني آدم وأرواحهم أرواح الشياطين، وصنف كالملائكة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله ".
ولا ريب في أن أكثر القلوب قد فتحها جنود الشياطين وملكوها، ويتصرفون فيها بضروب الوساوس الداعية إلى إيثار العاجلة واطراح الأجلة.
والسر فيه: أن سلطنة الشيطان سارية في لحم الإنسان ودمه ومحيطة بمجامع قلبه وبدنه، كما أن الشهوات ممتزجة بجميع ذلك، ومن هنا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إن الشيطان ليجري من بني آدم مجرى الدم "، وقال الله سبحانه - حكاية عن لسان اللعين -:
" لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم " (42).
فالخلاص من أيدي الشياطين يحتاج إلى مجاهدة عظيمة ورياضة شاقه فمن لم يقم في مقام المجاهدة كانت نفسه هدفا لسهام وساوسهم وداخلة في أحزابهم.
فصل تسويلات الشيطان ووساوسه لما كانت طرق الباطل كثيرة وطريق الحق واحدة، فالأبواب المفتوحة للشيطان إلى القلب كثيرة، وباب الملائكة واحدة، ولذا روي أن النبي صلى