على ذلك، ويستصغر (63) عقله وفطانته، ليبقي الله تعالى عليه تلك النعمة، ولا يسلبها عنه لأجل عجبه.
وأما (العجب بالرأي الخطأ الذي يزين له بجهله): فهو أقبح أنواع العجب، إذ جميع أهل البدع والضلال والفرق الذين اختاروا مذاهب باطلة وآراء فاسدة إنما أصروا عليها لعجبهم بها، ولذا يفتخرون بمذاهبهم على غيرهم، وبذلك هلكت الأمم إذا افترقت فرقا، وكل معجب برأيه، و:
" كل حزب بما لديهم فرحون " (64).
فكل من استحسن ما يسوقه الهوى والشبهة - مع ظن كونه حقا - يكون له هذا العجب، وقد أخبر رسول الله (ص): " إن ذلك يغلب على آخر هذه الأمة ". وعلاجه أشد من علاج غيره، لأن صاحب الرأي الخطأ جاهل بخطأه، ولو عرفه لتركه. ولا يعالج الداء الذي لا يعرف، إذ العارف يقدر على أن يبين للجاهل جهله ويزيله عنه إذا لم يكن معجبا برأيه وجهله، وإذا كان معجبا به يتهمه ولا يصغي إليه حتى يعالجه، فقد سلطت عليه بلية تهلكه وهو يظن أنها نعمة. وكيف يطلب الهرب مما يعتقد أنه سبب سعادته! وإنما علاجه في الجملة أن يكون متهما لرأيه لا يغتر به، لا أن يشهد له قاطع عقلي أو نقلي لا يعتريه ريب وشبهة.
ومعرفة أدلة الشرع والعقل وشروطها ومكان الغلط فيها موقوفة على عقل ثابت، وقريحة تامة مستقيمة، مع جد وتشمير في الطلب، وممارسة الكتاب والسنة، ومجالسة أهل العلم، ومدارسة العلوم طول العمر، ومع ذلك لا يؤمن عليه الغلط، فالصواب للكل - إلا من أيده الله بقوة قدسية يتمكن بها من الخوض في غمرات العلوم - ألا يخوض في المذاهب الباطلة ولا يصغي إليها، ويتبع أهل الوحي فيما جاؤوا به من عند الله في الأصول والفروع.
وصل (انكسار النفس) ضد العجب انكسار النفس واستحقارها وكونها في نظره ذليلة مهينة.