الساعة، ومثول الخلائق بين يدي الله تعالى، وحضور الملائكة والنبيين والشهداء والصالحين، في مقابلة تحصيل العلوم والإدراكات التي هي من باب الحيل والخديعة والسفسطة، والتأمل في أمور الدنيا الغير الخارجة عن دار المحسوسات، فإن الأول يشبه الملائكة الروحانية وجنود الرحمن الذين هن سكان عالم الملكوت السماوي، والثاني يشبه الأبالسة المطرودة عن باب الله الممنوعة من ولوج السماوات، المحبوسة في الظلمات، المحرومة في الدنيا عن الارتقاء، والمحجوبة في الآخرة عن دار النعيم.
فصل علاج الوساوس الوساوس إن كانت بواعث الشرور والمعاصي، فالعلاج في دفعها أن يتذكر سوء عاقبة العصيان ووخامة خاتمته في الدنيا والآخرة، ويتذكر عظيم حق الله وجسيم ثوابه وعقابه، ويتذكر أن الصبر عما تدعو إليه هذه الوساوس أسهل من الصبر على نار لو قذفت شرارة منها إلى الأرض أحرقت نبتها وجمادها، فإذا تذكر هذه الأمور وعرف حقيقتها بنور المعرفة والإيمان، حبس عنه الشيطان وقطع عنه وسواسه، إذ لا يمكن أن ينكر عليه هذه الأمور الحقة، إذ يقينه الحاصل من قواطع البرهان يمنعه عن ذلك ويخيبه، بحيث يرجع هاربا خائبا. فإن التهاب نيران (45) البراهين بمنزلة رجوم الشياطين، فإذا قوبلت بها وساوسهم فرت فرار الحمر من الأسد.
وإن كانت مختلجة بالبال بلا إرادة واختيار، من دون أن تكون مبادئ الأفعال، فقطعها بالكلية في غاية الصعوبة والإشكال، وقد أعترف أطباء النفوس بأنها الداء العضال ويتعسر دفعه بالمرة، وربما قيل بتعذره ولكن الحق إمكانه، لقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: " من صلى ركعتين لم تتحدث نفسه فيها بشئ غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر "، ولولا إمكانه لم يتصور ذلك.
والسر في صعوبة قطعها بالكلية أن للشيطان جندين: جندا يطير وجندا يسير، والواهمة جنده الطيار، والشهوة جنده السيار، لأن غالب ما خلقتا