إيقاظ فيه موعظة ونصيحة لما عرفت أن الإنسان في اللذة العقلية يشارك الملائكة، وفي غيرها من الحسية المتعلقة بالقوى الثلاث، أعني السبعية والبهيمية والشيطانية، يشارك السباع والبهائم والشياطين - فاعلم أن من غلبت عليه إحدى اللذات الأربع كانت مشاركته لما ينسب إليه أكثر حتى إذا صارت الغلبة تامة لكان هو هو.
فأنظر يا حبيبي أين تضع نفسك، فإن الغلبة لو كانت لقوتك الشهوية حتى يكون أكثر همك الشهوات الحيوانية كالأكل والشرب والجماع وسائر النزوات البهيمية، كنت واحدا من البهائم. وإن كانت لقوتك الغضبية حتى يكون جل ميلك إلى المناصب والرياسات الردية، وإيذاء الناس بالضرب والشتم، وباقي الحركات السبعية، نزلت منزلة السباع. وإن كانت لقوتك الشيطانية حتى يكون غالب سعيك في استنباط وجوه المكر والحيل للوصول إلى مقتضيات قوتي الشهوة والغضب بأنواع الخداع والتلبيسات الوهمية دخلت في حزب الأبالسة. وإن كانت لقوتك العقلية حتى يكون جدك مقصورا على " أخذ " (40) المعارف الإلهية واقتفاء (41) الفضائل الخليقة عرجت إلى أفق الملائكة القادسية. فمن كان عاقلا غير عدو لنفسه وجب عليه أن يصرف جل همه في تحصيل السعادة العلمية والعملية، وإزالة النقائض الكامنة في نفسه، وليقتصر على الأمور الشهوانية، واللذات الجسمانية بقدر الضرورة، بأن يكتفي من الغذاء بما يحفظ اعتدال مزاجه وقوام حياته، ولا يكون قصده منه الالتذاذ، بل سد الضرورة ودفع الألم، ولا يضيع وقته في تحصيل أزيد من ذلك، فإن تجاوز عنه فبقدر ما يحفظ رتبته، ولا يوجب مهانته وذلته، ومن اللباس بقدر ما يستر العورة، ويدفع الحر والبرد، فإن تجاوز عن ذلك فبقدر ما لا يؤدي إلى حقارته، ولا يوجب السقوط بين أقرانه وأهل طبقته، ومن الجماع بقدر ما يحفظ نوعه، ويبقي