من الماء فأخرجه، ثم قال له: ما قلت يا قصير؟! قال قلت: هذا روح الله يمشي على الماء وأنا أمشي، فدخلني من ذلك عجب، فقال له عيسى: لقد وضعت نفسك في غير الموضع الذي وضعك الله، فمقتك الله على ما قلت، فتب إلى الله عز وجل مما قلت، قال: فتاب الرجل، وعاد إلى مرتبته التي وضعه الله فيها " (49).
فصل آفات العجب العجب آفاته كثيرة: (منها) الكبر لأنه أحد أسبابه - كما يأتي - (ومنها) إنه يدعو إلى نسيان الذنوب وإهمالها، فلا يتذكر شيئا منها، وإن تذكر بعضا منها يستصغرها ولا يستعظمها، فلا يجتهد في تداركها وتلافيها، بل يظن أنها تغفر له. وأما العبادات، فيستعظمها ويتبجح بها ويمن على الله بفعلها، وينسى نعمة الله عليه بالتوفيق والتمكين منها، وإذا أعجب بها عمي عن آفاتها. ومن لم يتفقد آفات الأعمال ضل سعيه، إذ الأعمال الظاهرة إذا لم تكن خالصة نقية عن الشوائب فلما تنفع، وإنما يتفقد الخائف المشفق دون المعجب، لأنه يغتر بنفسه وبرأيه ويأمن مكر الله وعذابه، ويظن أنه عند الله بمكان، وإن له عند الله حقا بأعماله التي هي من عطاياه تعالى ونعمه وربما يخرجه العجب إلى تزكية نفسه والثناء عليها. وإن أعجب برأيه وعقله وعلمه منعه ذلك من السؤال والاستفادة والاستشارة، فيستبد بنفسه ورأيه ويستنكف عن سؤال الأعلم، وربما يعجب بالرأي الخطأ الذي خطر له، فيفرح بكونه من خواطره ولا يعتني بخواطر غيره بعين الاستحقار والاستجهال فإن كان رأيه الفاسق متعلقا بأمر دنيوي أضره وفضحه، وإن كان متعلقا بأمر ديني - (لا) سيما في أصول العقائد - أضله وأهلكه. ولو اتهم نفسه ولم يثق برأيه، واستعان بعلماء الدين وسؤال أهل البصيرة، لكان خيرا له وأحسن، وموصلا له إلى الحق المتيقن. ومن آفاته أنه يفتر في الجد والسعي، لظنه أنه قد استغنى وفاز بما ينجيه، وهو الهلاك الصريح الذي