بمحبوبه، وكان تحت ثيابه حيات وعقارب تلدغه مرة بعد أخرى، فتمنعه عن لذة المشاهدة والأنس. ولا يتم ابتهاجه إلا بإخراجها عن ثيابه. ولا ريب أن الملكات الرذيلة كلها كالحيات والعقارب مؤذيات ومشوشات، ومن كان له أدنى معرفة وتوجه إلى مناجاة ربه وكان في نفسه شئ منها، يجد أنه كيف يشوشه ويصده عن الابتهاج، ثم إن لدغ هذه الصفات لا يظهر ظهورا بينا للمنهمكين في علائق الطبيعة، وبعد مفارقة النفس عن البدن يشتد ألم لدغها بحيث يزيد على ألم لدغ الحيات والعقارب بمراتب شتى.
نصيحة تيقظ - يا حبيبي - من نوم الغفلة، وتفكر اليوم لغدك، قبل أن تنشب مخالب الموت في جسدك، ولا تنفك قوتك العاقلة عن التفكر في صفاتك وأحوالك، واعلم على سبيل القطع واليقين أن كل ما في نفسك من فضيلة أو رذيلة وكل ما يصدر عنك من طاعة أو معصية يكون بإزائه جزاء عند رحلتك عن هذه الدار الفانية، واسمع قول سيد الرسل (ص) ولو كنت ذا قلب لكفاك إيقاظا وتنبيها، حيث قال: " إن روح القدس نفث في روعي:
أحب ما أحببت فإنك مفارقه، وعش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك مجزى به ". ولعمري أنك إن كنت مؤمنا بالمبدأ والمعاد لكفاك هذا الكلام واعظا وحائلا بينك وبين الالتفات إلى الدنيا وأهلها. وبالجملة:
ينبغي للمؤمن ألا يخلو في كل يوم وليلة عن التفكر في صفاته وأفعاله، وإذا صرف برهة من وقته في هذا التفكر وبرهة أخرى في التفكر في عجائب قدرة ربه، وصار ذلك معتادا له، حصل لنفسه كمال قوتيها العقلية والعملية، وخلصت عن الوساوس الشيطانية والخواطر النفسانية، وفقنا الله بعظيم فضله للوصول إلى ما خلقنا لأجله.
(ومنها) - أي ومن رذائل القوة العاقلة - استنباط وجوده:
المكر والحيل للوصول إلى مقتضيات قوتي الغضب والشهوة. وأعلم أن المكر، والحيلة، والخدعة، والنكر، والدهاء: ألفاظ مترادفة، وهي في اللغة قد تطلق على شدة الفطانة، وأرباب المعقول يطلقونها على استنباط بعض الأمور