وكما أن العجب مجرد استعظام النفس من دون اعتبار استصغار الغير معه، فكذا ضده مجرد استحقار النفس من دون اشتراط إعظام الغير معه، إذ الأول مع اعتبار الثاني تكبر، والثالث مع اشتراط الرابع تواضع، وهما ضدان.
ثم لا ريب في فوائد انكسار النفس واستصغارها، وكل من بلغ مرتبة عظيمة فإنما بلغ بهذه الصفة، لأن الله تعالى عند المنكسرة قلوبهم، وقال رسول الله (ص): " ما من أحد إلا ومعه ملكان وعليه حكمة (65) يمسكانها، فإن هو رقع نفسه جبذاها (66) ثم قالا: اللهم ضعه، وإن وضع نفسه قالا: اللهم ارفعه " (67). وروي: " أنه أوحى الله تعالى إلى موسى (ع): أن يا موسى! أتدري لم اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟ قال:
يا رب! ولم ذلك؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إليه: أني قلبت عبادي ظهرا لبطن، فلم أجد فيهم أحدا أذل نفسا لي منك، يا موسى! إنك إذا صليت وضعت خدك على التراب ". وروي: " أنه لما أوحى الله تعالى إلى الجبال أني واضع سفينة نوح عبدي على جبل منكن، فتطاولت وشمخت، وتواضع الجودي، وهو جبل عندكم، فضربت السفينة بجؤجؤها الجبل فقال نوح عند ذلك: (يا ماري أتقن) وهو بالسريانية: رب اصلح " (68) ومنها:
الكبر وقد عرفت: إنه الركون إلى رؤية النفس فوق الغير، وبعبارة أوضح:
هو عزة وتعظيم يوجب رؤية النفس فوق الغير واعتقاده المزية والرجحان عليه، فهو يستدعي متكبرا عليه. وبه ينفصل عن العجب، إذ العجب مجرد استعظام النفس من دون اعتبار رؤيتها فوق الغير، فالعجب سبب الكبر والكبر من نتائجه.
ثم الكبر - أي العزة الموجبة لرؤية النفس فوق الغير - هو خلق الباطن يقتضي أعمالا في الظاهر هي ثمراته، وتسمى تلك الأعمال الظاهرة