التواضع إلا المقربون من عباده المستقلين بوحدانيته، قال الله عز وجل:
" وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " (92).
وقد أمر الله - عز وجل - أعز خلقه وسيد بريته محمدا (ص) بالتواضع، فقال عز وجل:
" واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين " (93).
والتواضع مزرعة الخضوع والخشوع والخشية والحياء، وإنهن لا يأتين إلا منها وفيها، ولا يسلم الشرف التام الحقيقي إلا للمتواضع في ذات الله تعالى (94). وقال الإمام أبو محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام:
" أعرف الناس بحقوق إخوانهم وأشدهم قضاء لهم أعظمهم عند الله شأنا، ومن تواضع في الدنيا لإخوانه فهو عند الله من الصديقين ومن شيعة علي تتميم ابن أبي طالب عليه السلام حقا " (95).
(الذلة) لما عرفت أن كل فضيلة وسط له طرفان مذمومان، فأحد طرفي التواضع (الكبر) - كما عرفت - وهو من طرف الإفراط، وآخرهما (الذلة) والتخاسس، وهو من طرف التفريط. فكما إن الكبر مذموم، فكذلك المذلة والتخاسس أيضا مذموم، إذ كلا طرفي الأمور ذميم، والمحمود:
هو التواضع من دون الخروج إلى شئ من الطرفين، إذ أحب الأمور إلى الله أوسطها. وهو أن يعطي كل ذي حق حقه، وهو العدل، فلو وقع في طرف النقصان فليرفع نفسه، إذ ليس للمؤمن أن يذل نفسه، فالعالم إذا دخل عليه إسكاف فخلى له مجلسه وأجلسه فيه، وترك تعليمه وإفادته، وإذا قام عدا إلى الباب خلفه، فقد تخاسس وتذلل، وهو غير محمود،