له علماء الأخلاق، بل إنما تعرضوا لبعضها، ويظهر من كلامهم في بعض المواضع المخالفة في الادخال.
والسر فيه أن كثيرا من الصفات لها جهات مختلفة كل منها يناسب قوة كما أشرنا إليه، فالاختلاف في الادخال لأجل اختلاف الاعتبار للجهات " وقد عرفت أن ما له جهات مختلفة يتعلق بالقوى المتعددة نحن نجعل مبدأه الجميع ونعده من رذائله أو فضائله، ولا نخصه بواحدة منها ". ثم بعض الصفات ربما كان ببعض الاعتبارات معدودا من الرذائل، وذلك كالمحبة والخوف والرجاء، فإن الحب إن كان متعلقا بالدنيا ومتعلقاتها كان مذموما وإن كان متعلقا بالله وأوليائه كان محمودا معدودا من الفضائل. والخوف إن كان مما لا يخاف منه عقلا كان من رذائل قوة الغضب، وإن كان من المعاصي أو من عظمة الله كان من فضائلها، والرجاء إن لم يكن في موقعه كان من الرذائل، وإن كان في موقعه كان من الفضائل، وقس عليها غيرها مما له الاعتبارات المختلفة.
فصل الفرق بين الفضيلة والرذيلة قد دريت إجمالا أن الفضائل المذكورة ملكات مخصوصة، لها آثار معلومة، وربما صدر عن بعض الناس أفعال شبيهة بالفضائل، وليست بها، فلا بد من بيان الفرق بينهما لئلا يشتبه على الغافل فيضل ويضل، فنقول:
قد عرفت أن فضيلة الحكمة عبارة عن العلم بأعيان الموجودات على ما هي عليه، وهو لا ينفك عن اليقين والطمأنينة، فمجرد أخذ بعض المسائل وتقريرها على وجه لائق من دون وثوق النفس واطمئنانها ليست حكمة، والأخذ بمثله ليس حكيما، إذ حقيقة الحكمة لا تنفك عن الإذعان القطعي واليقيني وهما مفقودان فيه، فمثله كمثل الأطفال في التشبه بالرجل، أو بعض الحيوانات في محاكاة ما للانسان من الأقوال والأفعال.
وأما فضيلة العفة، فقد عرفت أنها عبارة عن ملكة انقياد القوة الشهوية للعقل، حتى يكون تصرفها مقصورا على أمره ونهيه، فيقدم على ما فيه المصلحة وينزجر عما يتضمن المفسدة بتجويزه، ولا يخالفه في أوامره ونواهيه،