لا شبهة فيه.
فصل (علاج العجب إجمالا وتفصيلا) إعلم أن للعجب علاجين: إجماليا وتفصيليا (50):
أما العلاج الإجمالي - فهو أن يعرف ربه، وأنه لا تليق العظمة والعزة إلا به، وأن يعرف نفسه حق المعرفة، ليعلم أنه بذاته أذل من كل ذليل وأقل من كل قليل، ولا تليق به إلا الذلة والمهانة والمسكنة، فما له والعجب واستعظام نفسه، فإنه لا ريب في كونه ممكنا، وكل ممكن في ذاته صرف العدم ومحض اللاشئ، كما ثبت في الحكمة المتعالية، ووجوده وتحققه وكماله وآثاره جميعا من الواجب الحق، فالعظمة والكبرياء إنما تليق بمفيض وجوده وكمالاته، لا لذاته التي هي صرف العدم ومحض الليس، فإن شاء أن يستعظم شيئا ويفتخر به فليستعظم ربه وبه افتخر، ويستحقر نفسه غاية الاستحقار وحتى يراها صرف العدم ومحض اللاشئ. وهذا المعنى يشترك فيه كل ممكن كائنا من كان.
وأما المهانة والذلة التي تخص هذا المعجب وبني نوعه، فكون أوله نطفة قذرة وآخره جيفة عفنة، وكونه ما بين ذلك حمال نجاسات منتنة، وقد مر على ممر البول ثلاث مرات. وتكفيه آية واحدة من كتاب الله تعالى لو كان له بصيرة، وهي قوله تعالى:
" قتل الإنسان ما أكفره. من أي شئ خلقه. من نطفة خلقه فقدره.
ثم السبيل يسره. ثم أماته فأقبره. ثم إذا شاء أنشره " (51).
فقد أشارت الآية إلى أنه كان أولا في كتم العدم غير المتناهي، ثم خلقه من أقذر الأشياء الذي هو نطفة مهينة، ثم أماته وجعله جيفة منتنة خبيثة.
وأي شئ أخس وأرذل ممن بدايته محض العدم، وخلقته من أنتن الأشياء وأقذرها، ونهايته الفناء وصيرورته جيفة خبيثة. وهو ما بين المبدأ والمنتهى عاجز ذليل، لم يفرض إليه أمره، ولم يقدر على شئ لنفسه ولا