بعض الأحيان بدون اختيار، ولكنه كان في مقام المجاهدة، فلعله لم يكن عليه كثير إثم، ومثله يوفقه الله للوصول إلى ما يطلبه بمقتضى وعده.
فصل (علاج الكبر علما وعملا) الكبر كالعجب في كيفية العلاج إجمالا وتفصيلا، إذ الكبر لما تضمن معنى العجب - أي استعظام النفس - وكان العجب منشأ له، فما ذكر لعلاج مطلق العجب هو العلاج لمطلق الكبر أيضا. ولكن ما به الكبر - أعني بواعثه - هي بواعث العجب بعينها، فما ذكر لعلاج العجب بالبواعث المذكورة مشترك بينهما.
ومن المعالجات المختصة بالكبر: أن يتذكر ما ورد في ذمه من الآيات والأخبار المذكورة وغيرها، ويتأمل فيما ورد في مدح ضده أعني التواضع - كما يأتي. ولكون الكبر مشتملا على شئ زائد على العجب هو رؤية النفس فوق الغير، فينبغي أن يعلم أن الحكم بخيرية نفسه من الغير غاية الجهل والسفاهة، فلعل في الغير من خفايا الأخلاق الكريمة ما ينجيه. وفيه من الملكات الذميمة ما يهلكه ويرديه. وكيف يجترئ صاحب البصيرة أن يرجح نفسه على الغير، مع إبهام الخاتمة وخفاء الأخلاق الباطنة واشتراك الكل في الانتساب إلى الله تعالى، وفي صدورها وترشحها منه ومعلوليتها ولازميتها له، فالواقف بخطر الخاتمة وإناطة النجاة والهلاك بالبواطن لا يرى لنفسه مزية على غيره، والعارف بكون كل فرد من أفراد الموجودات أثرا من آثار ذاته ولمعة من لمعات أنوار صفاته، بل رشحة من رشحات فضله وجوده وقطرة من قطرات تيار فيض وجوده، لا ينظر إلى أحد بنظر السوء والعداوة، بل يشاهد الكل بعين الخيرية والمحبة.
أشكال وصل (فإن قيل): كيف يحسن أن يتواضع العالم الورع للجاهل الفاسق ويراه خيرا من نفسه، مع ظهور جهله وفسقه، وقطعه باتصاف نفسه بالعلم والورع وخلوه عنهما؟ وكيف يجوز له أن يحب فاسقا أو كافرا أو مبتدعا ويتواضع له ولا يعاديه، مع إنه مبغوض عند الله، فيكون مأمورا ببغضه والجمع بين الحب والتواضع وبين البغض جمع بين النقيضين؟