إنكم إذا لخاسرون " (86). ولمن قال: " لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا " (87).
وهذا في الشناعة قريب من التكبر على الله، وإن كان دونه.
وقد يكون على العباد بأن يستعظم نفسه ويستصغرهم، وهذا وإن كان دون الأولين، إلا أنه من المهلكات العظيمة، من حيث أنه يؤدي إلى مخالفة الله سبحانه، إذ صاحبه إذا سمع من عبد استنكف من قبوله واشمأز بجحده، ومن حيث أن العز والعظمة والعلى لا يليق إلا بالعلي الأعلى، فمهما تكبر العبد نازع الله في صفة من صفاته، ولذا قال الله سبحانه: " والعظمة أزاري والكبرياء ردائي، فمن نازعني فيهما قصمته ".
فصل (درجات الكبر) الكبر درجات ثلاث:
(الأولى) أن يكون مستقرا في قلبه، يرى نفسه خيرا من غيره، ويظهره في أفعاله: بالترفع في المجالس، والتقدم على الأقران، وأن يصعر خده للناس كأنه معرض عنهم، ويعبس وجهه، ويقطب جبينه. وفي أقواله:
بإظهار الإنكار على من يقصر فيما يتوقعه، من التعظيم، وإبداء الدعوى، والمفاخرة والمباهاة، وتزكية النفس، والتشمير لغلبة الغير في العلم والعمل.
وهذه الدرجة أقبح الدرجات وأشدها، إذ صاحبها قد رسخت في قلبه شجرة الكبر وارتفعت أغصانها وفروعها، بحيث أحاطت على جميع جوارحه.
(الثانية) كالأولى. إلا في إظهاره على اللسان، وهي دون الأولى، لكونها أقل أغصانا منها.
(الثالثة) أن يكون مستقرا في قلبه بحيث رأى نفسه خيرا من غيره، إلا أنه يجتهد في التواضع، ويفعل فعل من يرى غيره خيرا من نفسه. وهذا وإن رسخت في قلبه شجرة الكبر، إلا أنه قطع أغصانها بالكلية. فإن كان مع ذلك منكرا على نفسه فيما رسخ فيها، ومغضبا علمها ومتشمرا لإزالتها، إلا أنه لم يقدر على دفعه بسرعة وسهولة، وتميل النفس إلى ما تشتهيه في