فصل ما يتم به علاج الوسواس لو أمكن العلاج في القطع الكلي للوساوس فإنما يتم بأمور ثلاثة:
(الأول) سد الأبواب العظيمة للشيطان في القلب، وهي الشهوة، والغضب، والحرص، والحسد، والعداوة، والعجب، والحقد، والكبر، والطمع، والبخل، والخفة، والجبن، وحب الحطام الدنيوي الدائم، والشوق إلى التزين بالثياب الفاخرة، والعجلة في الأمر، وخوف الفاقة والفقر، والتعصب لغير الحق، وسوء الظن بالخالق... وغير ذلك من رؤس ذمائم الصفات ورذائل الملكات، فإنها أبواب عظيمة للشيطان، فإذا وجد بعضها مفتوحا يدخل منه في القلب بالوساوس المتعلقة به، وإذا سدت لم يكن له إليه سبيل إلا على طريق الاختلاس والاجتياز.
(الثاني) عمارة القلب بأضدادها من فضائل الأخلاق وشرائف الأوصاف، والملازمة للورع والتقوى، والمواظبة على عبادة ربه الأعلى.
(الثالث) كثرة الذكر بالقلب واللسان. فإذا قلعت عن القلب أصول ذمائم الصفات المذكورة التي هي بمنزلة الأبواب العظيمة للشيطان، زالت عنه وجوه سلطنته وتصرفاته، سوى خطراته واجتيازاته، والذكر يمنعها ويقطع تسلطه وتصرفه بالكلية، ولو لم يسد أبوابه أو لا لم ينفع مجرد الذكر اللساني في إزالتها، إذ حقيقة الذكر لا يتمكن في القلب إلا بعد تخليته عن الرذائل وتحليته بالفضائل، ولولاهما لم يظهر على القلب سلطانه، بل كان بمجرد قولك: إخسأ، وإن كان عندك شئ منها لم يندفع عنك بمجرد مثل كلب جائع، ومثل هذه الصفات المذمومة مثل لحم أو خبز أو غيرهما من مشتهيات الكلب، ومثل الذكر مثل قولك له: إخسأ. ولا ريب في أن الكلب إذا قرب إليك ولم يكن عندك شئ من مشتهياته فهو ينزجر عنك بمجرد قولك: أخسا، وإن كان عندك شئ منها لم يندفع عنك بمجرد هذا القول ما لم يصل إلى مطلوبه. فالقلب الخالي عن قوت الشيطان يندفع عنه بمجرد الذكر، وأما القلب المملو منه فيدفع الذكر إلى حواشيه، ولا يستقر في سويدائه، لاستقرار الشيطان فيه. وأيضا الذكر بمنزلة الغذاء