إليهما في قراره معه ودوامه عليه.
(الرابعة) القلبي الذي يتمكن المذكور من القلب بحيث انمحى عند الذكر، فلا يلتفت القلب إلى نفسه ولا الذكر، بل يستغرق بشراشره في المذكور، وأهل هذه المرتبة يجعلون الالتفات إلى الذكر حجابا شاغلا.
وهذه المرتبة هي المطلوبة بالذات. والبواقي مع اختلاف مراتبها مطلوبة بالعرض، لكونها طرقا إلى ما هو المطلوب بالذات.
فصل ما يتوقف عليه قطع الوساوس السر في توقف قطع الوساوس بالكلية على التصفية والتخلية أولا، ثم المواظبة على ذكر الله: إن بعد حصول هذه الأمور للنفس تحصل لقوتها العاقلة ملكة الاستيلاء والاستعلاء على القوى الشهوية والغضبية والوهمية، فلا تتأثر عنها وتؤثر فيها على وفق المصلحة، فتتمكن من ضبط الواهمة والمتخيلة بحيث لو أرادت صرفهما عن الوساوس لأمكنها ذلك، ولم تتمكن القوتان من الذهاب في أودية الخواطر بدون رأيها، وإذا حصلت للنفس هذه الملكة وتوجهت إلى ضبطهما كلما أرادتا الخروج عن الانقياد والذهاب في أودية الوساوس وتكرر منها هذا الضبط، حصل لهما ثبات الانقياد بحيث لم يحدث فيهما خاطر سوء مطلقا، بل لم يخطر فيها إلا خواطر الخير من خزائن الغيب وحينئذ تستقر النفس على مقام الاطمئنان، وتنسد عنها أبواب الشيطان وتنفتح فيها أبواب الملائكة، ويصير مستقرها ومستودعها، فتستضاء بشروق الأنوار القدسية من مشكاة الربوبية، ويشملها خطاب:
" يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية " (52).
ومثل هذه النفس أحسن النفوس وأشرفها، وتقابلها النفس المنكوسة المملؤة من الخبائث الملوثة بأنواع الذمائم والرذائل، وهي التي انفتحت فيها أبواب الشيطان وانسدت منها أبواب الملائكة، ويتصاعد منها دخان مظلم إليها، فتملأ جوانبها ويطفئ نور اليقين ويضعف سلطان الإيمان، حتى