ولا تحققه، ولا تغير قلبك عما كان عليه بالنسبة إليه، من المراعاة والتفقد والاكرام والاعتماد بسببه، بل ينبغي أن تزيد في مراعاته وإعظامه وتدعو له بالخير، فإن ذلك يقنط الشيطان ويدفعه عنك، فلا يلقي إليك خاطر السوء خوفا من اشتغالك بالدعاء وزيادة الاكرام. ومهما عرفت عثرة من مسلم فانصحه في السر ولا تبادر إلى اغتيابه، وإذا وعظته فلا تعظه وأنت مسرور باطلاعك على عيبه، لتنظر إليه بعين الحقارة، مع أنه ينظر إليك بعين التعظيم بل ينبغي أن يكون قصدك استخلاصه من الإثم، وتكون محزونا كما تحزن على نفسك إذا دخل عليك نقصان، وينبغي أن يكون تركه ذلك العيب من غير نصيحتك أحب إليك من تركه بنصيحتك، وإذا فعلت ذلك جمعت بين أجر نصيحته وأجر الحزن بمصيبته وأجر الإعانة على آخرته.
وصل (حسن الظن) قد عرفت أن ضد سوء الظن بالخالق والمخلوق هو (حسن الظن بهما).
ولما كان الأول من لوازم ضعف النفس وصغرها، فالثاني من نتائج قوتها وثباتها، وفوائده أكثر من أن تحصى، وقد تقدمت الظواهر الواردة في مدحه، فينبغي لكل مؤمن ألا ييأس من روح الله، ولا يظن أنه لا يرحمه ويعذبه البتة ولا يخلصه من العقاب، وإن ما يرد عليه في الدنيا من البلايا والمصائب هو شر له وعقوبة، بل ينبغي أن يعلم أنه أرحم وأرأف به من والديه، وإنما خلقه لأجل الفيض والجود، فلا بد أن يرحمه في دار الآخرة، ويخلصه من عذاب الأبد ويوصله إلى نعيم السرمد، وما يرد عليه من المصائب والبلايا في دار الدنيا خير له وصلاح، وذخيرة له في يوم المعاد.
وكذا لا يظنن السوء، والشر بالمسلمين، ولا يحملن ما له وجه صحيح من أعمالهم وأقوالهم على وجه فاسد، بل يجب أن يحمل كل ما يشاهده من أفعالهم وحركاتهم على أحسن الوجوه وأصحها، ما لم يجزم بفساده، ويكذب وهمه وسائر حواسه، فيما يذهب إليه من المحامل الفاسدة والاحتمالات القبيحة المحرمة، ويكلف نفسه على ذلك، حتى يصير ذلك ملكة له، فترتفع عنه ملكة سوء الظن بالكلية، نعم، الحمل على الوجه الصحيح على