أما جنسا رذائلها (4) (فأولهما):
الجربزة الموجبة للخروج في الفكر عن الحد اللائق وعدم استقالة الذهن على شئ، بل لا يزال يستخرج أمورا دقيقة غير مطابقة للواقع ويتجاوز عن الحق ولا يستقر عليه، وربما أدى في العقليات إلى الإلحاد وفساد الاعتقاد، بل إلى نفي حقائق الأشياء رأسا كما للسوفسطائية، وفي الشرعيات إلى الوساوس.
(وعلاجه) بعد تذكر قبحه وإيجابه للهلاك، أن يكلف نفسه على الاستقامة على مقتضى الأدلة المعتبرة عند أولي الأفهام المستقيمة، ولا يتجاوز عن معتقدات أهل الحق المعروفين بالتحقيق واستقامة القريحة، ولا يزال يكلف نفسه على ذلك حتى يعتاد القيام على الوسط. وربما كان للاشتغال بالتعليمات نفع في ذلك.
(وثانيهما):
الجهل البسيط وقد عرفت أنه من باب التفريط، وهو خلو النفس عن العلم من دون اعتقاد بكونها عالمة. وهو في البداية غير مذموم لتوقف التعلم عليه، إذ ما لم تعتقد النفس جهلها بالمعارف لم تنتهض لتحصيلها. وأما الثبات عليه فهو من المهلكات العظيمة. والطريق في إزالته أمور: (الأول) أن يتذكر ما يدل على قبحه ونقصه عقلا، وهو أن يعلم أن الجاهل ليس إنسانا بالحقيقة، وإنما يطلق عليه الإنسان مجازا، إذ فضل الإنسان عن سائر الحيوانات إنما هو إدراك الكلي المعبر عنه بالعلم، لمشاركتها معه في سائر الأمور من الجسمية والقوى الغضبية والشهوية والصوت وغير ذلك، فلولا علمه بحقائق الأشياء وخواصها لكان حيوانا بالحقيقة، ولذا ترى أن من كان في محل محاورات العلماء وكان جاهلا بأقوالهم لم يكن فرق بينه وبين البهائم بالنسبة إليهم. وأي هلاك أعظم من الخروج عن حدود الإنسانية والدخول في حد البهيمية. (الثاني) أن يتذكر ما ورد في الشريعة من الذم عليه مثل قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " ستة يدخلون في النار