الوسط فالمطلوب في صفة الغضب خلو النفس عن الجبن والتهور، والاتصاف بحس الحمية، وهو أن يحصل إذا استحسن حصوله شرعا وعقلا، ولا يحصل إذا استحسن عدمه كذلك. وكذا الحال في صفة الشهوة.
ولا ريب في أن رد بعض الموجودات الناقصة من القوى وغيرها إذا وجدت فيه قوة الكمال إلى كماله ممكن إذا كان له شرط يرتبط باختيار العبد، فكما أن النواة يمكن أن تصير نخلا بالتربية، لوجود قوة النخلية فيه، وتوقف فعليتها على شرط التربية التي بيد العبد، فكذلك يمكن تعديل قوتي الغضب والشهوة بالرياضة والمجاهدة، لوجود قوة التعديل فيهما، وتوقف فعليتهما على شرط ارتبط باختيار العبد أعني الرياضة والمجاهدة، وإن لم يمكن لنا قلعهما بالكلية، كما لا يمكن لنا إعدام شئ من الموجودات، ولا إيجاد شئ من المعدومات.
ثم شرائط الرد تختلف بالنسبة إلى الأشخاص والأخلاق، ولذا ترى أن التبديل يختلف باختلاف مراتب السياسيات والتأديب، فيمكن أن لا يرتفع مذموم خلق بمرتبة من التأديب، ويرتفع بمرتبة منه فوقها، والأسهل قبول لكل خلق الأطفال لخلو نفوسهم عن الأضداد المانعة من القبول، فيجب على الآباء تأديبهم بالآداب الجميلة، وصونهم عن ارتكاب الأعمال القبيحة، حنى تعتاد نفوسهم بترك الرذائل، وارتكاب الفضائل، والمؤدب الأول هو الناموس الإلهي، والثاني أولو الأذهان القويمة من أهل المعارف الحقة، فيجب تقييد من يراد تأديبه بالنواميس الربانية أولا، وتنبيهه بالحكم والمواعظ ثانيا.
فصل شرف علم الأخلاق لشرف موضوعه وغايته لما عرفت أن الحياة الحقيقية للانسان تتوقف على تهذيب الأخلاق الممكن بالمعالجات المقررة في هذه الصناعة، تعرف أنها أشرف العلوم وأنفعها لأن شرف كل علم إنما هو بشرف موضوعه أو غايته، فشرف صناعة الطب على صناعة الدباغة بقدر شرف بدن الإنسان وإصلاحه على جلود البهائم، وموضوع هذا العلم هو النفس الناطقة التي هي حقيقة الإنسان ولبه، وهو أشرف الأنواع الكونية كما برهن عليه في العلوم العقلية، وغايته إكمال وإيصاله