اللهم إلا أن يقال إن الائتلاف إنما يتحقق باستعمال كل من القوى على الوجه اللائق، واستعمال كل قوة ولو كانت قوة نظرية إنما يكون من القوة العملية، لأن شأنها تصريف القوى في المحال اللائقة على وجه الاعتدال، وبدونها لا يتحقق صدور فعل عن قوة.
ثم العدالة على الطريق الأول تكون أمرا بسيطا مستلزمة للملكات الثلاث أعني الحكمة والعفة والشجاعة، وعلى الثاني تحتمل البساطة والتركيب على الظاهر، وإن كانت البساطة أقرب نظرا إلى أن الاعتدال الخلقي بمنزلة الاعتدال المزاجي الحاصل من ازدواج العناصر المتخالفة، وقد برهن في أصول الحكمة أن المزاج كيفية بسيطة.
وتفصيل الكلام في المقام أنه إذا حصلت الملكات الثلاث حصل للعقل العملي قوة الاستعلاء والتدبير على جميع القوى، بحيث كانت الجميع منقادة له، واستعمل كلا منها على ما يقتضيه رأيه، فإن جعلت العدالة عبارة عن نفس هذه القوة، أو نفس تدبير التصرف في البدن وأمور المنزل والبلد، دون الملكات الثلاث كانت العدالة بسيطة وكانت كمالا للعقل العملي فقط، وإن جعلت نفس الملكات كانت مركبة، وحينئذ لا يناسب جعلها فضيلة على حدة معدودة في أعداد الفضائل، لأن جميع الأقسام لا يكون قسما منها، وليس الائتلاف والامتزاج هيئة وحدانية عارضة للملكات الثلاث حتى تكون شيئا على حدة ونوعا مركبا.
ثم على الطريقين يتحقق التلازم بين العدالة والملكات الثلاث إلا أنه على الطريق الأول تكون العدالة علة، والملكات الثلاث معلولة، وعلى الطريق الثاني ينعكس ذلك لتوقف حصول العدالة على وجود تلك الملكات وامتزاجها، فهي أجزاء للعدالة أو بمنزلتها.
تكملة العدالة انقياد العقل العملي للعقل النظري الحق أن حقيقة العدالة هو التفسير الأول المذكور في الطريق الأول، أعني انقياد العقل العملي للقوة العاقلة، وسائر التفاسير المذكورة في الطريقين لازمة له، إذ الانقياد المذكور يلزمه اتفاق القوى وقوة الاستعلاء والسياسة