ومنها:
سوء الظن بالخالق والمخلوق وهو من نتائج الجبن وضعف النفس، إذ كل جبان ضعيف النفس تذعن نفسه لكل فكر فاسد يدخل في وهمه ويتبعه، وقد يترتب عليه الخوف والغم، وهو من المهلكات العظيمة، وقد قال الله سبحانه:
" يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم " (2).
وقال تعالى: " وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم (3). وقال: " وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا " (4).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: " ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا ". ولا ريب في أن من حكم بظنه على غيره بالشر، بعثه الشيطان على أن يغتابه أو يتوانى في تعظيمه وإكرامه، أو يقصر فيما يلزمه من القيام بحقوقه، أو ينظر إليه بعين الاحتقار ويرى نفسه خيرا منه.
وكل ذلك من المهلكات، على أن سوء الظن بالناس من لوازم خبث الباطن وقذارته، كما أن حسن الظن من علائم سلامة القلب وطهارته، فكل من يسئ الظن بالناس ويطلب عيوبهم وعثراتهم فهو خبيث النفس سقيم الفؤاد وكل من يحسن الظن بهم ويستر عيوبهم فهو سليم الصدر طيب الباطن، فالمؤمن يظهر محاسن أخيه، والمنافق يطلب مساويه، وكل إناء يترشح بما فيه.
والسر في خباثة سوء الظن وتحريمه وصدوره عن خبث الضمير واغواء الشيطان: أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب، فليس لأحد أن يعتقد في حق غيره سوءا إلا إذا انكشف له بعيان لا يقبل التأويل، إذ حينئذ لا يمكنه ألا يعتقد ما شاهده وعلمه، وأما ما لم يشاهده ولم يعلمه ولم يسمعه وإنما وقع في قلبه، فالشيطان ألقاه إليه، فينبغي أن يكذبه، لأنه أفسق الفسقة. وقد قال الله: