من اليوم الآخر وأنا أخاف من اليوم الأول ". فالخاتمة تظهر ما سبق به القضاء في أم الكتاب. وإليه أشار النبي (ص) في المنبر، حيث رفع يده اليمنى قابضا على كفه، ثم قال: " أتدرون أيها الناس ما في كفي؟ "، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم إلى يوم القيامة ". ثم رفع يده اليسرى وقال: " أيها الناس! أتدرون ما في كفي؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: " أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم إلى يوم القيامة ". ثم قال: حكم الله وعدل، حكم الله " فريق في الجنة وفريق في السعير " (95).
وقال (ص): " يسلك بالسعيد في طريق الأشقياء حتى يقول الناس:
ما أشبهه بهم بل هو منهم، ثم تتداركه السعادة. وقد يسلك بالشقي طريق السعداء حتى يقول الناس: ما أشبهه بهم، بل هو منهم، ثم يتداركه الشقاء.
إن من كتبه الله سعيدا وإن لم يبق من الدنيا إلا فواق ناقة ختم له بالسعادة " (96).
فصل الخوف من الله أفضل الفضائل الخوف منزلة من منازل الذين ومقام من مقامات الموقنين، وهو أفضل الفضائل النفسانية، إذ فضيلة الشئ بقدر إعانته على السعادة، ولا سعادة كسعادة لقاء الله والقرب منه، ولا وصول إليها إلا بتحصيل محبته والأنس به. ولا يحصل ذلك إلا بالمعرفة، ولا تحصل المعرفة إلا بدوام الفكر، ولا يحصل الأنس إلا بالمحبة ودوام الذكر، ولا تتيسر المواظبة على الفكر والذكر إلا بانقلاع حب الدنيا من القلب، ولا ينقلع ذلك إلا بقمع لذاتها وشهواتها، وأقوى ما تنقمع به الشهوة هو نار الخوف، فالخوف هو النار المحرقة للشهوات، فإذن فضيلته بقدر ما يحرق من الشهوات ويكف من المعاصي وبحث على الطاعات، ويختلف ذلك باختلاف درجات الخوف - كما مر -.