شفاء. وانظر في عجائب أمرها في تناولها الأزهار والأنهار واجتنابها عن النجاسات والأقذار، وفي طاعتها وانقيادها لواحد من جملتهم، وأكبرهم شخصا، وهو أميرهم. وانظر كيف علم الله أميرهم أن يحكم بالعدل والإنصاف بينهم، حتى أنه ليقتل على باب النفذ كل ما وقع منها على نجاسة. ثم انظر إلى بناء بيوتها من الشمع واختيارها من جملة الأشكال المسدس، فلا يبنى مستديرا ولا مربعا ولا مخمسا، بل اختار المسدس لخاصية يقصر عن دركها أفهام المهندسين، وهو أن أوسع الأشكال وأجودها المستدير، ثم ما يقرب منه، فإن المربع تخرج منه زوايا ضايعة، وشكل النحل مستدير مستطيل، فترك المربع حتى لا تضيع الزوايا فتبقى فارغة، ولو بناها مستديرة لبقيت خارج البيوت فرج ضايعة، لأن الأشكال المستديرة إذا اجتمعت لم تجتمع متراصة، ولا شكل في الأشكال ذوات الزوايا يقرب في الوسعة والاحتواء من المستدير ثم تتراص الجملة منه بحيث لا يبقى بعد اجتماعها فرجة إلا المسدس، فهذه خاصية هذا الشكل. فانظر كيف علم الله النحل مع صغر جرمها لطفا بها وعناية بوجودها ليهنأ عيشها، فسبحانه ما أعظم شأنه. وما ذكرناه قدر يسير من عجائب الحكمة المودعة فيها، وما فيها من العجائب الظاهرة والباطنة مما لا يمكن الإحاطة به.
وأما " الإنسان " - فنقول: لا ريب في أن أول كل إنسان قطرة من ماء قذرة، لو خليت بنفسها لأنتنها الهواء وأفسدها، وكانت متفرقة في جميع أجزاء بدن الذكر، فألقى الله بلطائف حكمته محبة بينه وبين الأنثى وقادهما بسلاسل الشهوة إلى الاجتماع، واستخرج هذه النطفة المنتنة بحركة الوقاع، وأعطى لآلة الرجل قوة دافعة، ولرحم الأنثى قوة جاذبة، حتى جذبتها من فم الإحليل إلى نفسها، وامتزجت بمني الأنثى بحيث صارتا واحدة، واستقرت في الرحم، وجعل مبدأ عقد الصورة في مني الذكر، ومبدأ انعقادها في مني الأنثى، فهما بالنظر إلى الجنين كالأنفحة واللبن بالقياس إلى الجبن، والحق إن لكل من المنيين القوة العاقدة والمنعقدة، إلا أن الأولى في الذكوري والثانية في الأنوثي أقوى، وإلا لم يتحدا شيئا واحدا، ولم ينعقد الذكوري حتى يصير جزأ من الولد. فلو كان مزاج ج: 1